“صحيفة الثوري” – كتابات:
رشاد أحمد
أقدمت السلطات الأمنية في تعز على شن حملات أمنية مكثفة، يبدو ظاهرها العمل على تهدئة حالة الغليان الشعبي، حيث أعلنت عن ملاحقة المتهمين في قضية استشهاد “افتهان المشهري”، والقبض على بعضهم. غير أن ما حصل عملياً هو أن عملية القبض على بعض الهاربين من وجه العدالة في قضايا قتل أخرى – والذين صدرت في حقهم أوامر قضائية سابقة – جاء في كثير من الأحيان بشكل عشوائي أو كما يبدو “بالصدفة”، مما يثير الشكوك حول جدية الحملات وشفافيتها.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو عدم وضوح مصير من ألقي القبض عليهم في أوكار الجريمة (مثل منطقة “كلابة”) والذين أودعوا – بحسب الرواية الرسمية – في السجن المركزي. فلم يتم التحقق من هذه الإجراءات بشكل مستقل، ولم يتأكد أولياء الدم من صحة عملية القبض أو الاحتجاز الفعلي للمتهمين، مما يضع مصداقية العملية برمتها موضع تساؤل.
نحن هنا أمام مشهد معقد يجمع بين إعلام مضلل وهياكل قيادية أمنية وعسكرية وحتى على مستوى المحافظة، تشوبها شبهات فساد وعدم نزاهة. فالوضع في محافظة تعز يتسم بطابع كارثي على مستوى الأمن والعدالة، وهو ما يستدعي تدخلاً عاجلاً وفعالاً.
ومن هنا تنبع الحاجة الملحة إلى تدخل المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية، والأحزاب السياسية المدنية، لقيادة عملية رصد ومتابعة مستقلة. يجب العمل على تشكيل لجان حقوقية خاصة، تتمثل مهمتها الأساسية في:
- 1. مراقبة والتحقق من عمليات القبض: التأكد من أن عمليات القبض على المتهمين والقتلة تتم بشكل قانوني وواقعي، وليس مجرد إجراءات ورقية أو إعلامية.
- 2. متابعة عملية النقل والسجن: الرصد الميداني والمستندي لتحويل المقبوض عليهم فعلياً إلى السجن المركزي، وضمان عدم “ضياع” أي متهم أو تهريبه بعد القبض عليه.
- 3. التوثيق والشفافية: الحصول على صور من محاضر القبض والتسليم والسجن الرسمية، كدليل مادي وموثّق على تنفيذ هذه الإجراءات.
- 4. تمثيل أولياء الدم: العمل كقناة اتصال موثوقة بين السلطات وأولياء الدم، حيث يتم إطلاعهم بشكل رسمي وموثق على مستجدات قضاياهم، مما يضمن أن يكون علمهم بالحقائق قائماً على الأدلة والوثائق، وليس على مجرد تصريلات أو أخبار مضللة.
- 5. إحياء الملفات الخاملة: تمكين أولياء الدم من تقديم صور ملفاتهم القضائية إلى هذه اللجان، والتي بدورها تضغط على النيابة والمحاكم الشرعية لإعادة تفعيل القضايا المتعثرة والخاملة، والسعي نحو تحقيق القصاص العادي في كل الجرائم.
بهذه الآلية، يصبح من الصعب على أي جهة – بما في ذلك إدارة السجن المركزي أو الأجهزة الأمنية – التفريط بأي متهم أو التلاعب بقضيته أو تهريبه من دوائر العدالة. كما أن وجود رقابة حقوقية مستقلة ومستندية سيمنع أي محاولة لاستغلال الحملات الأمنية لتسوية حسابات أو تضليل الرأي العام، ويضمن أن يكون طريق العدالة واضحاً ومحمياً، حتى لو جزئياً، من عبث الفاسدين والمضللين.

