آخر الأخبار

spot_img

‏ما نعرفه ولا نعرفه عن الاتفاق السعودي الباكستاني

صحيفة الثوري- فايننشال تايمز البريطانية: 

 

بعد أسابيع من اختبار الهند لسلاح نووي في مايو 1998، اتصل رئيس وزراء باكستان نواز شريف آنذاك بالأمير عبد الله بن عبد العزيز في الرياض.

كان السؤال المطروح في المكالمة هو التالي: هل ستقف السعودية إلى جانب شقيقها المسلم إذا أقدمت باكستان على اختبار مضاد – وهو استعراض للقوة العسكرية الباكستانية من شأنه بلا شك أن يثير عقوبات غربية واسعة؟

أصبح الجواب واضحًا خلال أيام قليلة من اختبار باكستان النووي، حيث ساعدتها السعودية على تحمل العقوبات بتزويدها بحوالي 50 ألف برميل من النفط السعودي يوميًا مجانًا.

حلّ رئيس وزراء باكستان شهباز شريف – شقيق نواز الأصغر – في الرياض هذا الأسبوع، لكن هذه المرة كان هو وعاصم منير، قائد جيشه القوي، من يحملان الدعم.

كانت السعودية، التي تعتمد بشكل كبير على الأسلحة والتكنولوجيا الأمريكية، على وشك الدخول في اتفاق دفاعي مع باكستان المسلحة نوويًا، وذلك بعد أشهر قليلة من التوتر بين إسلام آباد ونيودلهي.

جاء إعلان البلدين المشترك في وقت كانت فيه إسرائيل غير المكبلة وإيران الجريحة، والولايات المتحدة غير المتوقعة، تعيد تشكيل منطقة الشرق الأوسط.

وقد وقف الرئيس دونالد ترامب في خانة المشاهدين عندما ضربت إسرائيل مسلحين فلسطينيين في قطر، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة، في 9 سبتمبر، في وقت صدم فيه الهجوم الذي وقع في قلب الدوحة قادة الخليج.

رغم أن تفاصيل الاتفاقية ماتزال غامضة، وحافظ المسؤولون السعوديون في تصريحاتهم على فكرة أن التوقيت كان مصادفة، إلا أن الدلالات كانت واضحة: إذا كانت إسرائيل والولايات المتحدة تعيدان ترتيب النظام الإقليمي، فأن السعودية حريصة على تعزيز تحالف قديم مع صديق مرن.

يقول جوشوا وايت، زميل في مركز بروكينغز بواشنطن وعمل في الهند وباكستان: “لا ينبغي قراءة هذا على أنه استجابة للحظة دقيقة، لكنه استجابة للتحولات الكبرى في المنطقة. كلا البلدين لديهما دوافع قوية للتنويع الآن بسبب سلوك الولايات المتحدة. إنه وقت يحتاج فيه كلاهما إلى خلق خيارات لنفسه”.

وقد ابلغ مسؤولون سعوديون صحيفة فاينانشال تايمز أن هذا الاتفاق الدفاعي المشترك استغرق عدة سنوات، لكن المصالح العسكرية للبلدين كانت متشابكة لعقود، ففي عام 1974، مع اقتراب موعد اختبار الهند النووي الأول وانتصار إسرائيل في حرب 1973 ضد جيرانها العرب، توجه رئيس الوزراء آنذاك ذو الفقار علي بوتو إلى الملك فيصل طالبًا دعم السعودية لجهود باكستان في تطوير قنبلة نووية خاصة بها.

واستغرق السعي نحو القنبلة عقودًا من السرقة، والوطنية المتفانية، والمكر الدبلوماسي، وكان عبد القدير خان، ابو القنبلة الباكستانية، مسؤولًا عن تهريب تكنولوجيا أجهزة الطرد المركزي المتقدمة في الثمانينيات والتسعينيات من الغرب إلى باكستان، ثم إلى إيران وليبيا ودول أخرى، وفق اعترافاته وتحقيقات متعددة.

لكن الطريق الطويل نحو النادي النووي كان أيضًا مدعومًا بأموال النفط السعودية، وفق مؤرخين عسكريين، فقد تلقت باكستان ومنذ الستينيات، مساعدات من السعودية أكثر مما تلقت من أي دولة خارج العالم العربي، بحسب تقديرات بروكينغز.

وفي التسعينيات، بينما كانت باكستان تعاني تحت العقوبات الغربية، “قدمت السعودية دعمًا ماليًا سخياً مكن البرنامج النووي من الاستمرار”.

وكتب اللواء الباكستاني المتقاعد فيروز خان في كتابه (أكل العشب: صناعة القنبلة الباكستانية) أن اختبار باكستان النووي عام 1998 أثار استحسان العالم الإسلامي ووصفه الكثيرون بـ”القنبلة الإسلامية”، وأعادت باكستان تسمية مدينة باسم الملك فيصل، وفي الخفاء خلق هذا الدعم توقعًا بأن الحلفاء ذوي الأغلبية السنية سيعززون الروابط العسكرية بينهم.

حرس الجنود الباكستانيون الحدود الشمالية للسعودية خلال حرب إيران والعراق في الثمانينيات، ولعبت وكالة الاستخبارات المشتركة في باكستان دور القناة التي نقلت الأموال السعودية والأمريكية لمساعدة المجاهدين الأفغان على طرد القوات السوفيتية.

ويساعد المستشارون العسكريون الباكستانيون اليوم في تدريب الجيش السعودي، ويقود أحد قادة الجيش السابقين قوة سعودية لمكافحة الإرهاب.

وقد طلبت المملكة من باكستان منذ أن قام وزير الدفاع السعودي آنذاك بجولة في منشأة تخصيب اليورانيوم الباكستانية عام 1999 “مشاركة المعرفة التقنية والعلمية” للبرنامج النووي، وفق ما قال خان، وهو طلب قاومته إسلام آباد إلى حد كبير.

وأضاف خان، الذي يعمل الآن أستاذًا في كلية الدراسات العليا البحرية في كاليفورنيا: “لم يكن هناك أبدًا اتفاق مكتوب يقضي بأن الدعم الاقتصادي السعودي كان يهدف لاحقًا للسماح لها بالاستفادة من قنبلة نووية باكستانية”، لكنه أشار إلى أنه “إذا كان هناك إيران نووية وإسرائيل غير مقيدة إطلاقًا، فإن باكستان تصبح مفيدة بينما تستعد السعودية لمرحلة طويلة الأمد”.

ويقول أوزي أراد، المدير السابق للأبحاث في الموساد الإسرائيلي، إن إسرائيل راقبت باكستان أثناء بناء قنبلة نووية، وبحلول أوائل الثمانينيات، كانت سياسة إسرائيل قائمة على التخريب ثم قصف أي دولة عربية عدائية تسعى لامتلاك أسلحة نووية، لكن باكستان شكلت تحديًا معقدًا.

وأوضح أراد: “باكستان لم تكن دولة عربية، لكنها كانت دولة إسلامية؛ ولم تكن جزءًا من الشرق الأوسط، لكن الأمريكيين تعاملوا معها كما لو كانت كذلك”، والأهم، كانت باكستان شريكًا أمريكيًا حيويًا في أفغانستان في الثمانينيات، وكانت طموحاتها النووية تُعتبر مسألة أميركية.

حوّلت إسرائيل اهتمامها إلى المفاعل العراقي، وقام قصفه عام 1981، ثم إلى إيران.

كما لم تكن علاقة باكستان مع رعاتها في الخليج دائمًا سلسة، فقد رفضت إسلام آباد الانضمام إلى الغارات الجوية التي قادتها السعودية على اليمن في 2015.

وتقول رابعى أختر، مديرة مركز أبحاث الأمن والسياسة والاستراتيجية في جامعة لاهور، إن الاتفاق الأخير يعزز “الضمانات الأمنية التقليدية للسعودية، والوصول إلى خبرة التدريب والدفاع الباكستانية، ويعكس وجود قوة نووية ذات أغلبية مسلمة إلى جانبها رمزيًا”، لكن بالنسبة لباكستان، ينطوي الاتفاق على مخاطر.

ويقول مسؤول باكستاني سابق مطلع على الحوارات بين مسؤولي باكستان وإسرائيل بشأن العقيدة النووية الباكستانية: “لطالما كان الأمريكيون والإسرائيليون متخوفين من أن برامج باكستان النووية والصاروخية قد تشكل تهديدًا لإسرائيل، وهذا الاتفاق قد يزيد من تلك المخاوف”.

وقد عطلت حرب إسرائيل في غزة الاتفاق الدفاعي السعودي-الأمريكي المرتقب، مما أخر أي تطبيع محتمل بين السعودية وإسرائيل، لكن الصفقة ستثير غضب إسرائيل وتدقيق الولايات المتحدة، وفق خان.

وقال: “ستحتاج باكستان إلى الحذر الشديد لتجنب زعزعة موقعها الجيوسياسي الحساس مع الصين وإيران والسعودية والولايات المتحدة”.

وأضاف: “إذا قرب هذا الاتفاق الهند وإسرائيل، وزاد العقوبات على برنامج الصواريخ الباليستية الباكستاني، وعزز جهود الهند لعزل إسلام آباد، فقد يتحول إلى خطأ استراتيجي”.

وقالت وزارة الخارجية الهندية إن نيودلهي ستدرس تداعيات هذا التطور على أمنها الوطني، وأشارت إلى أن الهند بنت علاقات دفاعية ودبلوماسية أقوى مع إسرائيل، لكنها “لن تتعجل في تقنين علاقتها الدفاعية مع إسرائيل”، بحسب برفين دونثي، محلل كبير لشؤون الهند لدى مجموعة الأزمة.

وقال مسؤول إسرائيلي إن الطابع العلني والغموض في هذا الاتفاق الدفاعي أرسل رسالة إلى إسرائيل والولايات المتحدة مفادها أنه لا يحمل نفس مخاطر الانتشار النووي المرتبطة بسوق باكستان النووية “السوداء” في الماضي، مما يتيح لكلا البلدين مجالًا للرد – أو عدم الرد – في المستقبل.

وأضاف: “الباكستانيون لا يمنحون قنابلهم للسعودية، لكن السعوديين يعلنون بصوت عالٍ: لدينا أصدقاء آخرون في العالم”.