صحيفة الثوري- سي ان ان:
لجأت باكستان، بعد أن أدّى أول اختبار نووي عليها عام 1998 إلى فرض عقوبات دولية عليها وإلى عزلتها دبلوماسيًا، لطلب المساعدة من حليف قديم: السعودية.
طلب خالد محمود، الذي كان يشغل حينها منصب سفير باكستان في الرياض، عقد اجتماع عاجل مع الملك فهد بن عبد العزيز.
خلال اللقاء، اعترض العاهل السعودي على الاختبار النووي، لكنه مع ذلك تعهّد، وفقًا لمحمود، بأن “يدعمكم بأكثر مما تتوقعون”، وفي اليوم التالي مباشرة، وُعدت باكستان بمبلغ 3.4 مليار دولار من الدعم المالي السعودي، وهي أموال ساعدت إسلام آباد على المضي قدمًا في تنفيذ اختبار نووي ثانٍ، بحسب ما قال السفير.
لقد ساهمت تلك اللحظة في ترسيخ دور باكستان، في نظر كثيرين، كدرع نووي فعلي للمملكة، لذلك، عندما وقّعت السعودية وباكستان اتفاقية دفاع مشترك يوم الأربعاء، تجددت التكهنات حول ما إذا كانت الرياض قد أصبحت رسميًا تحت المظلة النووية لإسلام آباد.
وقال مسؤول سعودي لوكالة رويترز: “إنها اتفاقية دفاعية شاملة تشمل جميع الوسائل العسكرية”.
وتشمل الصفقة التعاون في مجال الصناعات الدفاعية، ونقل التكنولوجيا، والإنتاج العسكري المشترك، وفقًا لما أكده جمال الحربي، الملحق الإعلامي في السفارة السعودية بإسلام آباد.
وكتب الحربي في صحيفة عرب نيوز باكستان، وهي وسيلة إعلامية مرتبطة بالدولة السعودية، أن “بناء القدرات والتدريب” جزء من الاتفاقية أيضًا.
وعلى الرغم من أن المسؤول السعودي الرفيع أشار إلى أن الاتفاقية كانت “قيد الإعداد منذ سنوات”، فإن توقيتها – بعد أسبوع واحد فقط من هجوم إسرائيلي غير مسبوق على قطر المجاورة، الحليف الوثيق للولايات المتحدة – يوحي بأن الرياض تتطلع إلى ما هو أبعد من واشنطن لتعزيز دفاعاتها بعد عقود من الاعتماد شبه الكامل على الحماية الأمريكية.
كانت الدول العربية الخليجية خلال الولاية الأولى لدونالد ترامب، تأمل أن يكون هو الرئيس الأمريكي الذي يقدّر حقًا مخاوفها الأمنية ويتخذ خطوات حاسمة لحمايتها.
وقد بدا عهده الأول واعدًا في بدايته: إذ انسحب من الاتفاق النووي مع إيران، وأصدرت إدارته أمرًا باغتيال الجنرال الإيراني النافذ قاسم سليماني، وهو شخصية كانت مكروهة من حكومات الخليج العربي.
لكن في نهاية المطاف، شعرت دول الخليج بخيبة أمل، فعندما استهدف هجوم بالصواريخ والطائرات المسيّرة منشآت نفطية سعودية في عام 2019 – وقد وُجّهت أصابع الاتهام فيه على نطاق واسع إلى إيران – وأوقف نصف إنتاج المملكة من النفط وتسبب في قفزة حادة في أسعار الخام، لم يصدر عن إدارة ترامب سوى إدانة باهتة.
“أنتم لا تريدون لذلك أن يتغير”
ومع تصاعد التوترات الإقليمية، دفعت السعودية والإمارات باتجاه الحصول على ضمانة أمنية أمريكية رسمية، وبعد فشلهما في انتزاع ذلك من إدارة بايدن، وجّه ولي العهد السعودي تحذيرًا صريحًا بأن صبر المملكة على واشنطن قد ينفد.
وقال الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع قناة فوكس نيوز في سبتمبر 2023، إن الرياض قد تنقل “تسليحها من أمريكا إلى مكان آخر”، وأكد أن قوة السعودية تعني قوة أمريكا، مضيفًا: “أنتم لا تريدون لذلك أن يتغير”.
وعندما عاد ترامب إلى البيت الأبيض، علّقت السعودية آمالًا متجددة عليه، وقد مدّت الرياض السجاد الملكي الأرجواني لاستقباله خلال أول جولة خارجية له في ولايته الثانية، لكن اتفاقية الدفاع التي كانت المملكة تطمح إليها لم تتحقق بعد.
تعهّد ترامب خلال الزيارة نفسها، علنًا بـ”حماية” قطر، وذلك بعد أن التزمت دول الخليج بضخ تريليونات الدولارات في الاقتصاد الأمريكي، غير أنه سرعان ما أثار أول ضربة إيرانية مباشرة على دولة خليجية، وفشل في منع أول ضربة إسرائيلية من نوعها على دولة خليجية أيضًا – وكل ذلك في غضون أشهر قليلة.
لقد اُعتبر استضافة قطر لقاعدة العديد الجوية – وهي أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط – رادعًا يحمي هذه الدولة الصغيرة شديدة الثراء، والمطوقة بجيران أكبر وأكثر قوة وطموحًا لا يمكنها مجاراتهم عسكريًا.
لكن هذا العام كشف حدود تلك الحماية، وبالتالي حدود الحماية الأمريكية عمومًا، فقد تحوّلت القاعدة إلى عبء عندما استهدفتها إيران في يونيو ردًا على ضربة أمريكية لمواقع نووية إيرانية، ولم يثبت وجودها فعالية عندما تعرضت قطر هذا الشهر لضربة إسرائيلية استهدفت حركة حماس على أراضيها، في إشارة إلى أن الوجود العسكري الأمريكي في الخليج، بكل ثقله الاستراتيجي، قد لا يؤدي اليوم الدور الردعي الذي كان يُفترض أن يؤديه.