آخر الأخبار

spot_img

المراكز الصيفية.. جماعة الحوثي تحول أقلام الأطفال إلى بنادق

“صحيفة الثوري” – تحالف رصد:


الحادثة: تجنيد الأطفال عبر المراكز الصيفية (التضليل الإعلامي لانشطة المراكز الصيفية)

التاريخ: 12 مايو 2025

مكان الواقعة: مدينة حجة

نوع الانتهاك: تجنيد الأطفال في محافظة حجة


المقدمة: عندما يصبح الفصل الدراسي معسكراً

في عمق الريف اليمني بمحافظة حجة، حيث يعاني 85% من السكان من الفقر المدقع، تتحول المدارس الحكومية خلال العطلة الصيفية إلى مراكز لتجنيد الأطفال تحت غطاء أنشطة تربوية. التقرير التالي يستند إلى تحليل 120 صورة و17 تقريراً رسمياً من وكالة سبأ الحوثية، بالإضافة إلى معلومات من مصادر قريبة من أطفال ناجين من هذه المراكز.

في أحد فصول مدرسة “علي بن أبي طالب” في حجة، كان أحمد (12 عاماً) يحلم بأن يصبح طبيباً. لكن بدلاً من كتب العلوم، وجد أمامه مجسماً لصاروخ بالحجم الطبيعي، وبدلاً من تعلم جدول الضرب، طُلب منه ترديد هتافات الحرب: “الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل”.

هذا ليست مشهداً من فيلم خيالي، بل واقع موثق في تقارير وكالة سبأ التابعة للحوثيين نفسها. الصور تُظهر أطفالاً يرتدون الزي العسكري، يقفون أمام مجسمات صواريخ ومنصات إطلاق، بينما النص الرسمي يصف الأنشطة بأنها “ترفيهية وتعليمية”. طالب سابق في مركز صيفي بحجة (طلب عدم الكشف عن هويته قال لأحد راصدينا: “أخبروني أن المركز الصيفي سيعلمني القرآن والكمبيوتر.. لكنهم جعلوني أرتدي زيًا عسكرياً وأهتف ضد أمريكا.”

التناقض الصارخ.. كلمات بريئة وصور تدمر الطفولة

من خلال تحليل 17 تقريراً منشوراً على موقع وكالة سبأ بين مايو ويوليو 2025، توصل “تحالف رصد” إلى وجود نمط مضلل ممنهج: النص الرسمي (ادعاءات الحوثيين)

الواقع الموثق بالصور

أطفال يرتدون الزي العسكري ويؤدون التحية العسكرية
مجسمات صواريخ وأسلحة ثقيلة
“معارض علمية وتعليمية”

“تطوير مهارات التفكير”

تدريبات على القتال وترديد الشعارات الحربية

أبرز الأمثلة الصادمة على هذا التضليل تقرير منشور في وكالة سبأ الحوثية بتاريخ 12 مايو يتناول زيارة مسؤول “حوثي” لمركز صيفي. النص يتحدث عن “أنشطة تربوية”، لكن الصور تظهر معمل تصنيع مجسمات صواريخ. ونشرت ذات الوكالة تقرير آخر بتاريخ 17 مايو وكان يتحدث عن: عرض كشفي تحت اسم “علم وجهاد”. إلا أن الصور تُظهر أطفالاً يحملون بنادق خشبية ويرتدون الزي العسكري.

آلية التضليل.. كيف يتم اختراق العقول الصغيرة؟

تقوم جماعة الحوثي بتحفيز الأهالي على دفع أولادهم إلى هذه المراكز الصيفية من خلال عدة طرق منها: الاستغلال الاقتصادي، من خلال إغراء الأهالي بـ”مكافآت مالية” تصل إلى 20,000 ريال يمني (حوالي 40 دولار) شهرياً لكل طفل كما بالتلاعب النفسي من خلال استخدام أساليب الإكراه المعنوي مثل ترهيب الأهالي بـ”سحب البطاقات الغذائية” إذا لم يلتحق أطفالهم بالمراكز. وأيضا من خلال العزل الجغرافي حيث يتم إنشاء أو إقامة المراكز في مناطق نائية يصعب على المنظمات الحقوقية والمهتمين الوصول إليها ومراقبتها والتحذير منها.

تحليل محتوى المراكز الصيفية يكشف استراتيجية ثلاثية الخطوات تتبعها الجماعة، أول هذه الخطوات: الاستهداف الجغرافي، حيث تعتبر حجة من أفقر محافظات اليمن (معدل الفقر 85% وفق البنك الدولي)، و72% من الأسر فيها تعتمد على المساعدات الغذائية. وثاني خطوة هي: التجنيد الناعم، إذ يتم إغراء الأطفال بالوجبات المجانية أحيانا والهدايا أحيانا أخرى، كما يتم استغلال ثقة الأهالي بتقديم هذه المراكز تحت عناوين آمنة ومحفزة لهم فيتم تسميتها بـ”برامج تعليمية”. وثالث هذه الخطوات هي: التضليل الممنهج، حيث تقوم الجماعة باستخدام لغة تربوية بريئة (كلمات مثل: “تعليمي”، “ترفيهي”، “ثقافي”)، إلى جانب أنها تقوم بتوثيق الأنشطة العسكرية بصورة مخادعة. “كانوا يعطوننا بسكويت وعصير.. ويقولون لنا: ‘أنكم أبطال المقاومة'” يقول طالب سابق في مركز صيفي.

لماذا هذا انتهاك مزدوج؟

هذه الممارسات ليست مجرد “تجنيد أطفال”، بل جريمة مضاعفة ففيها انتهاك مادي يتمثل بانتهاك المادة 38 من اتفاقية حقوق الطفل: “منع تجنيد الأطفال تحت سن 15″، وانتهاك البروتوكول الاختياري للاتفاقية بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة. وفيها أيضا انتهاكا معنويا، ويتمثل بتدمير نفسية الأطفال عبر غسل أدمغتهم، ومن خلال تسويق العنف كـ”بطولة” والسلام كـ”ضعف”.

وفي هذا الشأن هناك إحصائيات صادمة، فبحسب اليونيسف 4500 طفل دخلوا المراكز الصيفية هذه في مختلف مناطق ومديريات محافظة حجة، وبأخذ نوع التعليم الذي يتلقونه في هذه المراكز فإن عدد كبير بشكل مرعب من هؤلاء الأطفال من المحتمل أن تم تجنيدهم أو أنه قد تم تجنيدهم بالفعل، إذا تشير احصائيات أخرى إلى أن 80% من حالات تجنيد الأطفال التي تقوم بها جماعة الحوثي تتم عبر المراكز الصيفية.

وبالتأكيد هناك آثار مدمرة لهذا النهج وهذه الانتهاكات الصارخة بحق الطفولة، هذه الممارسات من الممكن أن تدمر مستقبل جيل كامل، ليس اقلها الآثار النفسية والاجتماعية الموثقة، مثل الاضطرابات النفسية، إذ كشفت دراسات وابحاث منظمة الصحة العالمية أن 68% من الأطفال الناجين يعانون من كوابيس متكررة، 42% يعانون من الاكتئاب الحاد.

كما يتأثر التعليم من هذه الممارسات سلبا، إذ أن تجنيد الأطفال يؤدي إلى انخفاض معدل الالتحاق بالمدارس بنسبة 35% في المناطق المستهدفة، بالإضافة إلى تسرب مدرسي يصل إلى 50% بين الأطفال المجندين، هذا إلى جانب زيادة التفكك الاجتماعي، المتمثل بانتشار ثقافة العنف بين الأطفال، فقدان الثقة في المؤسسات التعليمية.

الخلاصة: نداء عاجل لإنقاذ جيل كامل

تحالف رصد يطالب، المجتمع الدولي، بتصنيف المراكز الصيفية الحوثية كـ”أدوات تجنيد” ضمن قائمة الأمم المتحدة للانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال، وفرض عقوبات على مسؤولي التربية والتعليم في المناطق الخاضعة للحوثيين. كما يطالب المنظمات الحقوقية: بتوثيق الانتهاكات عبر زيارات ميدانية مستقلة، وراصدين، ومقابلات مع أطفال مجندين سابقين، وبأي طرق أخرى تساعدهم على اعداد وتقديم تقارير عاجلة لمجلس حقوق الإنسان بهذا الشأن.

كما يدعو تحالف رصد الإعلام المحلي والعالمي لممارسة دوره في كشف آلة التضليل الحوثية عبر تحليل الصور والتقارير، وإعطاء منصة للناجين من هذه المراكز للحديث والتوعية بهذا الانتهاك الجسيم وبخطورة التضليل حوله. إذ أن “التضليل الإعلامي حول تجنيد الأطفال جريمة لا تقل فظاعة عن التجنيد نفسه.


رابط المادة الأصلية في موقع  التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان