“صحيفة الثوري” – كتابات:
عبد الجليل عثمان
كيف تعامل الاشتراكي مع الموروث القديم؟
جاء النظام السياسي في الجنوب بعد الاستقلال كنتيجة لوحدة القوى السياسية التى تقف على أرضية مشتركة’ ليحقق مصالح مادية وروحية لأوسع الجماهير’ وكانت نظرة الثورة للسلطة تختلف عن النظرة السابقة حيث يقول المناضل عبد الفتاح اسماعيل” كان فهمنا ان السلطة يجب أن تختلف كلية عن النظرة السابقة للسلطة – في أي مكان – لا يمكن تحقيق المصالح المادية الروحية للشعب بدون ان يقلب النظام القديم راسا على عقب’ وتقام سلطة ثورية. بمعنى أن النظام السابق يجب أن ينتهي وأن يحطم كلية لكي يبني نظام جديد.
فالسلطة في الجوهر تعبر عن مصالح قوى طبقية متحالفة في ضل وضع معين..
في الماضي كانت السلطة تخدم مصالح الاستعمار ومصالح الاقطاع والكمبرادور والعملاء جميعا. ولكن السلطة الجديدة بعد الثورة والاستقلال تخدم مصالح العمال والفلاحين والبرجوازية الصغيرة وكل الفئات الكادحة الاخرى”
لقد تم الاخذ بطريق التطور الاشتراكي’ كمنهج شمولي في الحياة في نظرة جديدة وهو ككل لايتجزاء في مجالات مختلفة. وذلك من اجل تغيير وتطوير المجتمع باستمرار نحو الافضل وفي مختلف الجوانب ‘ وقد اصطدم هذا النهج مع ماهو موروث من الماضي وهو سلبي ومتعفن وتم الانقطاع معه ‘ حيث ان انتصار الثورة والاستقلال كان من اجل مضمون بناء حياة جديدة ‘ ومن هذه الرؤية تم الدخول في صراع مع اليمين في الثورة الذي اراد ان يحول الاستقلال الوطني الى جسر عبور للأستعمار الجديد( الاقتصادي)..
ويؤكد فتاح في هذا الصدد”ان النظرة الجديدة للحياة تعني انه يجب ان نكون احرارا في بلدنا ‘ وهذه الحرية لها وجه شمولي كامل فهي ترتبط بالممارسة لأن الاشتراكية ليست مجرد ترف فكري وانما يقتنع بها الاشتراكيين العلميين الذين يربطون النظرية بالممارسة ويستخدمون هذه النظرية بطريقة مبدعة لتحرير واقعهم وتغييره نحو الافضل”.
لقد أحدثت الثورة تغييرا سياسيا في مجال التشريع مثلا اصدار قانون الأسرة حيث كانت المرأة مضطهدة محبوسة في البيت لاينظر اليها الا من حيث هي وسيلة للتسلية والانجاب. وكان للرجل الحق ان يتزوج مثنى وثلاثي ورباعي’ فتم تغيير هذه الوضعية اللا انسانية بنظرة جديدة قد يقال انها تتعارض مع الدين ‘ لكن ذلك غير صحيحا لأن جوهر الدين الاسلامي لايعني الاستعباد ولا الأذلال للأنسان’ والمرأة انسانه مبدعة وخلاقة بطبيعة الحال’ ويجب ان تساوى مع الرجل’ وان الزواج لايمكن ان يكون الا أحاديا’ وقيمة المهر حدد بمائة دينار اي الفين شلن بينما كان المهر في الماضي بعشرات الالاف.
إن طبيعة العلاقات السابقة من الناحية الاجتماعية كانت ظالمة وجرت محاولة تغييرها’ وقد أثار الرجعيون ضجة كبيرة عند صدور هذا القانون’ حيث تم دخول المرأة محراب القضاء في العمل كقاضيات بالمحاكم.
وتم تحرير المرأة في تغيير واقعها الاقتصادي في خروجها إلى العمل وتكون لها رأيها عكس الماضي كانت تخاف أن تصبح مشردة هي وأطفالها وتعاني العوز والجوع’ وتم إقامة مراكز مهنية للمرأة لتدريبها للعمل’ ونشر الوعي بين صفوف النساء عبر محو الامية واتحاد نساء اليمن.
وهكذا جرت التشريعات في مختلف المجالات في التربية والثقافة فلم يعد التعليم حكرا على اولاد السلاطين والامراء والاقطاعيين وكبار الاغنياء والموظفين والذي كان الشعب سابقا محروما منه’ فقد وجدت ديمقراطية التعليم وفتح المجال واسعا لكل ابناء الشعب لكي يتعلموا’ وغيرت المناهج لأن الاستعمار كان يعلم الطلاب كل مايدور في بريطانيا عن تاريخها وجغرافيتها وكذا البلدان الراسمالية..وكان الطالب يعرف عن بريطانيا لكنه لايعرف شيئا عن وطنه اليمن او الوطن العربي.
وتم الاهتمام في بناء انسانا جديدا بعد الثورة متحررا من كل العقد السلبية الموروثة من المجتمع’ وتوفير الخدمات التعليمية والصحية مجانا وفي تشكيل التعاونيات المختلفة والصناعات التحويلية وفي مجال الزراعة والثروة السمكية الى جانب الخدمات الاخرى من الطرق والمياة والكهربا والسكن وغيرها من الانجازات في كل مجالات الحياة رغم الامكانيات المحدودة للدولة.
لقد انتصر الجديد وتطور في تجربة اليمن الديمقراطية ولكن بقايا القديم وتأثيرات المحيط الاقليمي لم تنتهي في تخريب توجه الثورة’ وجاءات حرب٩٤م الظالمة لضرب الكثير من تلك المكاسب الاجتماعية التى تحققت للمجتمع في المحافظات الجنوبية.
إن المراهنة كانت ولاتزال على الأجيال الجديدة لأنها الاكثر استعدادا لتقبل الفكر الثوري في مواجهة القيم والعادات والتقاليد القديمة المعيقة في تطور المجتمع’ وهذه المسألة سوف تأخذ وقتها في التغيير لكل ماهو موروث سلبيا وإعادة القيم الجديدة التى تنسجم مع روح العصر ومع طموح الاجيال الجديد في التطور والتحديث في المجتمع ككل.
يتبع..