صحيفة الثوري- ترجمات:
“التحذيرات في دمشق قد انتهت، والآن ستأتي الضربات المؤلمة”.
هكذا وصف وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ضربات الأربعاء الجوية على العاصمة السورية، التي ألحقت أضرارًا بمقر وزارة الدفاع السورية، وقد جاءت الغارات بعد أيام من الاشتباكات في مدينة السويداء بين قوات الأمن السورية وأفراد من الطائفة الدرزية، وهي الاشتباكات التي قالت إسرائيل إن ضرباتها تهدف لحماية الدروز منها.
وأعلنت الحكومة السورية وقادة الدروز في وقت لاحق من يوم الأربعاء، وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار، لكن الضربات الإسرائيلية استمرت.
فيما يلي، يجيب خبراؤنا في شؤون الشرق الأوسط عن الأسئلة الملحّة بشأن جذور الأزمة ومعانيها بالنسبة لسوريا، إسرائيل، الدروز، والمنطقة بشكل عام:
من هم الدروز، وكيف وجدوا أنفسهم وسط هذا الصراع؟
الدروز هم أقلية دينية وعرقية متمركزة في جنوب سوريا، وخاصة في منطقة السويداء. تاريخيًا، وحافظوا على هوية جماعية قوية ودرجة من الاستقلال الذاتي.
كانت علاقاتهم مع دمشق متوترة منذ زمن بعيد، إذ اعتادوا مقاومة السلطة المركزية سواء خلال الانتداب الفرنسي أو تحت حكم الحكومات السورية المتعاقبة.
وتعود التوترات بين ميليشيات درزية والقبائل السنية البدوية المجاورة إلى ما قبل قيام الدولة السورية الحديثة، وغالبًا ما تعود إلى الظهور خلال فترات الانقسام الوطني.
اختار الدروز خلال الانتفاضة السورية، طريقًا مختلفًا، فبدلاً من الانحياز إلى النظام أو المعارضة، ركزوا على حماية مجتمعاتهم المحلية وحافظوا على حياد نسبي، وقد اغضب هذا الاستقلال دمشق، أولًا تحت حكم بشار الأسد، والآن تحت حكم الرئيس أحمد الشراع، الذي يسعى لإعادة فرض سلطة الدولة على الجنوب.
وبعد سقوط نظام الأسد، دعا الشيخ حكمت الهجري، أحد أبرز الزعماء الروحيين للدروز في سوريا، إلى حماية دولية للطائفة، ومثّلت هذه الدعوة تحولًا كبيرًا، وأظهرت مدى ابتعاد الدروز عن دمشق، ولكن الهجري ليس الصوت الوحيد للدروز، فبعض القادة داخل الطائفة اتخذوا مواقف مختلفة، وحذروا من طلب الحماية الخارجية – خاصة من إسرائيل – خوفًا من تعميق عزلتهم وتعريض أي توافق وطني مستقبلي للخطر.
كما أن للدروز علاقات عائلية وسياسية وثيقة مع مجتمعات في لبنان وإسرائيل، مما يضيف بعدًا إقليميًا ويزيد من خطر تصعيد الصراع إلى خارج الحدود السورية.
لقد زاد انخراط إسرائيل، التي وضعت نفسها كحامية للدروز، من تعقيد الأمور وأثار الشكوك بين مكونات المجتمع السوري الأخرى.
تصاعدت الأزمة في السويداء، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة مع القبائل السنية البدوية المجاورة، مدفوعة بالتوترات الاجتماعية والاقتصادية والطائفية المتجذرة، وتدخلت قوات الحكومة السورية لوقف القتال بين ميليشيات درزية وجماعات مسلحة من القبائل العربية، واستغلت الدولة الفراغ الأمني لإعادة فرض سيطرتها على السويداء والرد على المطالب المتزايدة بالحكم الذاتي المحلي.
لقد أصبحت الطائفة الدرزية اليوم أكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى على الرغم من الضربات الجوية الإسرائيلية وبعض الإدانات الدولية.
وتستعد القوات الحكومية لإعادة الانتشار والانسحاب جزئيًا من السويداء، مما قد يُعد نصرًا لعشيرة الهجري ولكن جميع الأطراف المعنية تجد نفسها الآن أمام مفترق طرق، وهناك حاجة ماسة إلى حل سلمي تفاوضي لإعادة الدمج ضمن الدولة السورية، فبدون هذا الاتفاق، فإن خطر تجدد العنف يظل قائمًا، وأي تصعيد جديد قد يتجاوز المستوى المحلي ليشمل مناطق أخرى ويهدد تماسك البلاد واستقرار المنطقة بأسرها.
بمَ يفكر النظام السوري الآن؟
من منظور الشرع، فإن الاضطرابات في السويداء تمثل تهديدًا وفرصة في آنٍ واحد.
تسعى دمشق لإعادة فرض سيطرتها على منطقة طالما قاومت سلطتها، مستغلة التوترات التاريخية بين الميليشيات الدرزية والقبائل البدوية لتبرير التدخل، لكن الانخراط المباشر والتصعيدي من قبل إسرائيل عقد هذه الحسابات، فالغارات الإسرائيلية تجاوزت الجنوب، لتطال مقرات الجيش في دمشق وحتى قرب القصر الرئاسي، والرسالة واضحة: إسرائيل تدعم الدروز ومستعدة للتصعيد بشكل كبير، وتعيد تشكيل موقفها في سوريا.
تدرك دمشق الآن أن تحسين العلاقات مع واشنطن لا يضمن تهدئة مع إسرائيل، وتخشى من تصعيد إقليمي أوسع قد يجر أطرافًا أخرى مثل تركيا، ومع ذلك، فإن حكومة الشرع تعتقد أن الوقت والقوة في صالحها، وتتوقع أن تظهر اتفاقات وقف إطلاق نار محلية، حتى وإن كانت مؤقتة، من خلال مفاوضات مع قادة المجتمع، مما سيؤدي تدريجيًا إلى إضعاف المقاومة، لكن الانتهاكات المتكررة ومطالب نزع السلاح الانتقائية التي تستهدف الدروز فقط، دون البدو، تغذي عدم الثقة وتعزز الانطباع بأن دمشق اختارت الهيمنة بدلًا من المصالحة.
تكشف أزمة السويداء عن مخاطر إدارة التحول في سوريا من خلال القسر بدلًا من التوافق، خاصة مع وجود العديد من المفسدين المحتملين في المنطقة، وإسرائيل التي تستعد لاستغلال حالة عدم الاستقرار لتقويض جهود دمشق لإعادة توحيد البلاد. يعلم الشراع أنه دخل منطقة مجهولة، وسيضطر لتحديث حساباته.
بمَ تفكر إسرائيل الآن؟
أظهرت الأحداث الأخيرة في سوريا أن أي تفاؤل بمشاركة وشيكة لسوريا في اتفاقيات أبراهام كان سابقًا لأوانه.
يمثل اندلاع العنف الطائفي الذي يستهدف السكان الدروز في السويداء – على بعد حوالي 80 كم من الحدود الإسرائيلية – تحديًا متعدد الطبقات لإسرائيل في لحظة حرجة بالفعل، فمع عبور مئات الدروز الإسرائيليين إلى سوريا لدعم إخوانهم هناك، فوجئت قوات الدفاع الإسرائيلية، وتتوقع استمرار القتال لعدة أيام.
الدافع وراء تدخل إسرائيل العسكري في سوريا يتراوح بين اعتبارات ضيقة وواسعة.
على المستوى الضيق، تعمل حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على الاصطفاف مع المجتمع الدرزي، الذي لطالما كان حليفًا وفيًا – وإن كان أحيانًا ساخطًا – للدولة اليهودية، ويسمح تدخل الجيش، الذي خدم فيه العديد من الدروز ببسالة، لإسرائيل بادعاء التفوق الأخلاقي وإظهار التضامن مع الدروز الإسرائيليين.
أما على المستوى الأكبر، فإن إسرائيل تتحرك لاحتواء تدهور محتمل للوضع الأمني في سوريا، فمن وجهة نظر القدس، هناك احتمالان لتفسير الهجمات على الدروز في السويداء: إما أن الجناة مرتبطون أو موالون للشرع (ويُظهر الرئيس وجهه الجهادي الحقيقي)، أو أن الحكومة المركزية في دمشق عاجزة عن فرض سلطتها ولا يمكن الوثوق بها كشريك، وكلا الاحتمالين يمنع إسرائيل من البقاء مكتوفة الأيدي.
كما ستراقب إسرائيل عن كثب أي محاولات من جهات إقليمية أخرى – خاصة تركيا – للتدخل في المشهد السوري، ويبقى الوضع على الأرض متوترًا في المستقبل المنظور على الرغم من إعلان وقف إطلاق النار.
+ كيف يجب أن تتعامل واشنطن مع هذا الوضع؟
بالنسبة لواشنطن، فإن احتواء التوتر في جنوب سوريا بشكل سريع أمر ذو أهمية قصوى.
يعمل مسؤولو إدارة ترامب جاهدين لتحقيق هذا الهدف، لكنه سيتطلب جهدًا مركزًا.
المخاطر كبيرة, فبينما تأمل الولايات المتحدة في تحقيق وقف إطلاق نار واتفاق تبادل أسرى في غزة، فإن اندلاع جبهة جديدة في مكان آخر قد يزيد من زعزعة استقرار المنطقة، وقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برفع العقوبات عن سوريا يُعد استثمارًا يهدف إلى مساعدة حكومة الشرع على استعادة الاستقرار، لكنه لا يمكن أن يتعايش مع مشاهد لمقاتلين إسلاميين مرتبطين بالحكومة في دمشق وهم يقتلون ويسيئون معاملة الدروز، وقد أدت تلك المشاهد إلى تدخل إسرائيل، التي ردت بضربات في دمشق، كما أن محاولة العديد من الدروز عبور الحدود من إسرائيل ولبنان إلى سوريا للدفاع عن إخوانهم تزيد من خطورة الوضع، ويمكن أن تخلق هذه الانقسامات والفوضى فرصة لإيران لاستعادة نفوذها المفقود داخل سوريا.
إن تعهد ترامب برفع العقوبات، والمتابعة من قبل المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا، توم باراك، يمنحان الولايات المتحدة نفوذًا على الشرع، ويجب استخدام هذا النفوذ فورًا للضغط على دمشق لكبح جماح المقاتلين الذين يصعدون الموقف ويهاجمون الدروز.
كما يجب حشد شركاء أمريكا المؤثرين في دمشق، مثل تركيا والسعودية وقطر، لنقل رسائل مماثلة.
في الوقت ذاته، ينبغي أن تحث واشنطن إسرائيل على ضبط وتيرة ضرباتها، فبينما يُفهم الدفاع المحدود عن الدروز وإبعاد التهديدات عن حدود سوريا مع إسرائيل، إلا أن ضرب أهداف حكومية في دمشق قد يؤدي إلى سلسلة من التدهور.
كيف يمكن أن تؤثر هذه الأحداث على آفاق التطبيع السوري–الإسرائيلي؟
تشكل الغارات الإسرائيلية على مقر وزارة الدفاع السورية في دمشق انتكاسة للمحادثات الخلفية المستمرة حول التهدئة السورية–الإسرائيلية، كما أنها تؤكد الحاجة إلى اتفاق عدم اعتداء.
تتعرض الحكومة الإسرائيلية لضغوط قوية من المجتمع الدرزي في إسرائيل في أعقاب التصعيد في السويداء، كما تواجه ضغطًا من مسؤولين إسرائيليين متشككين في قدرة الحكومة السورية الجديدة على تحقيق الاستقرار.
تمثل الضربات الإسرائيلية على قلب الحكومة السورية ضربة قاسية لسيادتها الوليدة وسيكون من الصعب التعامل معها، وإذا لم يتم احتواء الوضع، فقد يتصاعد الصراع إلى أزمة أكبر تزيد من تفكك سوريا وتشجع الجماعات المسلحة والمتطرفة.
وعلى الرغم من أن التوصل إلى اتفاق تطبيع سوري–إسرائيلي يبدو غير مرجح على المدى القريب، إلا أن التوصل إلى اتفاق عدم اعتداء يراعي مخاوف إسرائيل الأمنية قد يكون ممكنًا.
إن إقدام الحكومة السورية على إعلان وقف إطلاق نار مع الدروز بعد الضربات الإسرائيلية يُظهر رغبتها في تجنب التصعيد، ولكي يتحقق ذلك، على إسرائيل أن تعيد تقييم نهجها في سوريا، وتدعم أولئك الساعين إلى توحيد البلاد بدلًا من تفتيتها.
*المجلس الاطلسي في واشنطن