“صحيفة الثوري” – ثقافة وفكر:
في الذكرى الثالثة والأربعين لرحيله، يقف اليمنيون أمام سيرة شاعرٍ لم يكن مجرد صاحب قافية، بل صوت وطنٍ كامل، يفيض بالحلم والألم، بالشدو والوجع. عبدالله عبدالوهاب نعمان، أو الفضول، يظل حاضرًا في قصائده، في نشيد الجمهورية، وفي ذاكرة اليمنيين التي لا تشيخ.
الميلاد والبداية: شاعر يتفتح في حضن العلم
ولد عبدالله عبدالوهاب نعمان في مدينة تعز عام 1917، في أسرة علمية مرموقة، إذ كان والده القاضي عبدالوهاب نعمان أحد رجال القضاء المعتبرين. تربى الفضول في بيئة حُببت إليه العلم والأدب، فكانت الكلمة منذ صغره زاده وطريقه إلى العالم.
لم يكد يبلغ سن الشباب حتى انتقل إلى عدن، حيث تفتحت أمامه آفاق الفكر والصحافة والنضال السياسي. هناك، بدأت قصائده تجد طريقها إلى صفحات الصحف والقلوب، ممزوجة بروح ثورية وأحلام وطن يتوق إلى الحرية.
شاعر الثورة… والكلمة التي أشعلت الوجدان
لم يكن الفضول شاعرًا يكتب للترف الأدبي، بل كان شاعرًا للثورة، يخط قصائده بمداد العاطفة والوجع الوطني. وقف ضد الحكم الإمامي، وكتب نصوصًا تحرّض على الحرية وتغذي روح المقاومة.
يقول الفضول في إحدى قصائده:
«ليت شعري هل ترى صنعاء في أبهى الجلال
حين تهفو نحوها الأرواح شوقًا ووصال»
كانت قصائده نارًا تحت رماد السنين، تُلهب القلوب وتوقظ العزائم، وتبث الأمل في نفوس الثائرين.
«رددي أيتها الدنيا نشيدي»… نشيد الوطن الحلم
أعظم ما ترك الفضول من أثر خالد هو قصيدته الشهيرة “رددي أيتها الدنيا نشيدي”، التي أصبحت النشيد الوطني للجمهورية اليمنية، وغدت رمزًا للوطنية والكرامة.
كتبها الفضول عقب انتصار الثورة اليمنية، فجاءت كأنها تلخيص لحلم اليمنيين جميعًا في الحرية والكرامة والوحدة. يقول في مطلعها:
«رددي أيتها الدنيا نشيدي
ردديه وأعيدي وأعيدي»
وتتوالى الأبيات كلوحة مفعمة بالفخر والانتماء:
«وحدتي… وحدتي
يا نشيدًا رائعًا يملأ نفسي
أنت عهد عالق في كل ذمة
رايتي… رايتي
يا نسيجاً حكته من كل شمس
أخضرًا أخضرًا ما لَح في كل قمة»
هذا النشيد صار أكثر من كلمات، صار هوية وطنية، يردده الجنود في الميادين، والطلاب في المدارس، والجماهير في المناسبات الوطنية.
الصحافة والكلمة الحرة
إلى جانب الشعر، خاض الفضول ميدان الصحافة، فأسس صحيفة “الحقيقة” في عدن، ليجعل منها منبرًا للتنوير والدفاع عن قضايا الوطن. لم يكن الصحفي الفضول أقل حدة وجرأة من الشاعر الفضول؛ إذ سخر قلمه لفضح الظلم والفساد، وتبنى قضايا الحرية والعدالة.
الفضول… شاعر الناس والأغنية اليمنية
لم يقتصر إبداع الفضول على القصائد الوطنية، بل كتب أجمل الأغاني اليمنية التي تغنى بها كبار الفنانين، وفي مقدمتهم الفنان أيوب طارش. تميزت كلماته بالدفء والصدق، وبساطة الأسلوب الممزوج بعاطفة جارفة.
يقول في إحدى أغنياته المغناة:
(قيثارتي بَكُمَتْ، فما تُبدي اللحونُ ولا تُعيدْ
وخَرِستُ بعدك للحياة، فلا غناءَ ولا نشيدْ
وورثتُ منك مساحةَ الأحزان، يا حزني المديدْ
ما قيمةُ الأيامِ بعد هواك، تنقصُ أو تزيدْ
فلقد أردتُ، وكنتَ لي في العمرِ آخرَ ما أُريدْ
ولئن رحلتَ، فلن تريحَ مدامعي أو أستفيدْ
ستظلّ مُوسِيني ومُشجيني ومُبكيني الوحيدْ
ويعيشُ خلفك من وراء الريح إحساسي الشريدْ
وتطولُ في روحي الصلاةُ عليك يا حبّي الشهيدْ
يا آخِرَ الأحقاقِ يحضنُ لؤلؤَ الحبِّ الفريدْ
يا آخِرَ الأرزاقِ من قدري، وفي عيشي الرغيدْ
يا آخِرَ الأشواقِ في سهري وفي قلبي العميدْ
يا آخِرَ الأوراقِ من شجري تَساقَطُ في الجليدْ
يا آخِرَ الإشراقِ في عمري.. وآخرَ وَجهِ عيدْ)
هذه الأغاني لا تزال تتردد في أوساط الناس وفي كل المناسبات، تحمل عبق اليمن وذاكرة الحب فيه.
الرحيل الذي لم يكن غياباً
في 5 يوليو 1982، أسلم الفضول الروح في القاهرة بعد رحلة حافلة بالكلمة والنضال، لكن رحيله لم يكن غيابًا، إذ ظل حاضرًا في أناشيد الوطن، وفي ذاكرة شعبه الذي لم ينسَ له أنه صاغ حروفه من لهب الثورة، ومن نبض الأرض والناس.
في ذكرى رحيله الثالثة والأربعين، لا يزال عبدالله عبدالوهاب نعمان واحدًا من أكبر أعمدة الأدب اليمني، شاعرًا للوطن، وصوتًا لا يخفت مهما تغيرت الأزمنة.
> «سوف أبقى رغم الأحداث حيًّا
رغم ما حلّ بأوطاني العتيّة»
بهذه الروح عاش الفضول، وبهذه الروح سيظل حيًّا في اليمن، وطنًا وشعبًا وأرضًا.