آخر الأخبار

spot_img

تحت شجرة الكستناء

“صحيفة الثوري” – ثقافة وفكر:

ريان الشيباني 

قلت لصديقي، ليست المشكلة فيما يحدث، هو أن نقع أسرى هذا الوضع، بقدر انتهاء المطاف بنا أسفل شجرة الكستناء. في رواية 1984 يتم الزج بوينستون شميث معتقلًا في وزارة الحب، وتحت التعذيب الشديد يتم غسل دماغه ومن ثم إقناعه بأن 2+2=5. ليس هذا كل ما في الأمر، يتم إطلاق سراحه لاحقًا لا ليعود إلى حياته الطبيعية، بل ليتأكد الحزب من كونه أصبح رجلًا صالحًا بالمقاييس الشمولية، وأنه أصبح يحب الأخ الأكبر.

لذا نراه هناك، جالسًا في أحد مقاعد مقهى شجرة الكستناء، يحتسي الجِن الرخيص ويغني لحبيبته جوليا التي أجبر على خيانتها:

“تحت شجرة الكستناء

خنتَنك وخنتني”.

***

كنت في كرسي الحلاقة، لا تحت شجرة الكستناء، والأجواء متوترة في العاصمة بسبب دعوات الاحتجاج لما سمي بعد ذلك بمظاهرات الجياع. وفوق رأسي يثرثر تلفاز صغير بنشرة أخبار محلية، عندما التقطت مستشعراتي صوتًا مألوفًا لرجل بدا أنه يتكلم من على كرسي الاعتراف.

أوقفت الحلاق ورفعت رأسي، فإذا هو صديقي المُعتقل، يرتدي ثوب الإدانة الأزرق، ويقول عبارات سريعة شديدة الاجتزاء وتلقينية. انهارت أعضائي، وأردتُ أن أقول للحلاق شيئًا، فخشيت أن أنقل إليه عدوى فقداني للأمل.

بعد الافراج عنه بسنوات، كنت أتسكع مع هذا الصديق، عندما قال لي:

– أنا حي في هذا الوضع بمتعتين. الثرثرة والمشي. وربما التدخين.

المؤكد، أن وينستون في العام 1984، تم استدراجه بالمشي والثرثرة، ولذا من الطبيعي أن يكون العقاب بالمنع من ممارسة هذا الحق. فالغرض من مصادرة حرية المرء هو كبح ثرثرته، ومن ثم رميه صامتًا أسفل شجرة الكستناء. الأستاذ عبدالله البردّوني لا يفوت ترميز هذه اللحظة:

لأنّي دخلتُ السجنَ شهرًا؛ وليلةً خرجتُ؛ ولكن أصبحَ السجنُ داخلي

قُلت هذا لصديقي، ثم قعدتُ أعدد معه أسماءً لمشاهير ومشهورات صاروا في المقهى أسفل شجرة الكستناء؛ يصرخون، يثرثرون، يغنون، كما لو أنهم لا يزالون أحرارًا. الأمر لا يتعلق بهم وحدهم، ففي السجن الكبير الذي صار إليه بلدنا، لن استغرب أن أراك- أنت أيضًا- هناك في المقهى، بل لا استغرب أن أكون أنا نفسي؛ أكتب كل هذا أسفل شجرة الكستناء.

(نشرت في العدد عشرين من نشرة رف الخميس)

لتصلك النشرة صباح كل خميس، إدخال بريدك هنا:

https://gmail.us14.list-manage.com/subscribe?u=04ddbc5e1221e9a52d355d688&id=93c70818ab