صحيفة الثوري – اقتصاد
في جلسة نقاشية حاسمة نظمها مركز صنعاء للدراسات الأربعاء، أكد محافظ البنك المركزي اليمني، أحمد غالب، أن تصنيف الولايات المتحدة لجماعة الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO) يمثل “خطوة إيجابية” نحو تصحيح الاختلالات الجسيمة في القطاع المصرفي اليمني وتحريره من الممارسات غير القانونية وغير المصرفية.
وسلطت الجلسة، التي شارك فيها المحافظ والاقتصادي خالد منصر من مركز صنعاء، الضوء على التداعيات الاقتصادية والمالية للتصنيف الأمريكي على القطاع المصرفي، وقدرته على الاستمرار في العمل والوصول إلى النظام المالي العالمي، لا سيما في ظل الانقسام الاقتصادي الحاد الذي تشهده البلاد.
“سعر وهمي ومفروض بالقوة”: واقع الريال في صنعاء
فجر المحافظ غالب مفاجأة بتأكيده أن سعر الصرف في مناطق سيطرة الحوثيين في صنعاء “وهمي ومفروض بالقوة”. وأوضح أن ندرة الأوراق النقدية وتلفها في تلك المناطق أدت إلى ظاهرة مقلقة تتمثل في تداول العملة “بالوزن بدلاً من العد”، مما يعكس مدى التدهور النقدي الفعلي هناك.
وأشار إلى أن الفصل بين العملتين في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية ومناطق سيطرة الحوثيين قد أفرز “اقتصادين مختلفين” في البلاد، أحدهما “حر” والآخر “ثابت” قسراً، مما عمّق من حدة الانقسام المالي والاقتصادي.
البنوك على حافة الانهيار: سيطرة الحوثيين ونتائج كارثية
كشف المحافظ أن البنك المركزي كان قد اتخذ خطوات استباقية العام الماضي بطلب نقل القطاع المصرفي إلى عدن، مشيرًا إلى أن القرار الأمريكي “ساعد في حل الإشكالات التي سعينا لحلها”. وأشار إلى أن التصنيف الأمريكي شمل بنكين محليين كبيرين، كان أحدهما يُعد من أنجح البنوك التجارية في البلاد.
وفي تفاصيل تثير القلق، أوضح غالب أن المودعين في البنوك التجارية بصنعاء لا يستطيعون سحب ودائعهم بحرية، حيث لا يحصل بعضهم سوى على 100 ألف أو 200 ألف ريال شهريًا، رغم امتلاكهم ملايين الريالات. هذه القيود القسرية تمنع المواطنين من الحصول على احتياجاتهم الأساسية، بما في ذلك تكاليف العلاج، مما يفاقم معاناتهم الإنسانية.
كما انتقد المحافظ القانون الذي أصدره الحوثيون باسم “تحريم المعاملات الربوية”، والذي وصفه بأنه يحول الودائع واستثمارات البنوك في أذون الخزانة إلى “حسابات جارية لا يمكن السحب منها”، مما يشل حركة البنوك ويجمد أموال المودعين.
جهود البنك المركزي ومعوقات الحوثيين:
كشف المحافظ أن البنك المركزي أجرى مشاورات مع وزارة الخزانة الأمريكية لضمان استمرارية عمل فروع البنوك في مناطق سيطرة الحوثيين، نظرًا لأن أكثر من 50% من اليمنيين يعيشون هناك. وقد تم التوصل إلى آلية لاعتماد طرف ثالث لتدقيق العمليات المصرفية تحت الإعفاءات الواردة في التصنيف، حيث تم تزويد البنك المركزي بأسماء خمس شركات دولية تعاقدت البنوك مع إحداها.
غير أن التحديات تبقى جسيمة؛ فقد أكد المحافظ أن استهداف الحوثيين لمرافئ تصدير النفط أفقد الحكومة اليمنية نحو 70 إلى 80 في المئة من مواردها، مما أدى إلى انهيار البنية التحتية الاقتصادية للبلاد. ووصف البنوك بأنها “ما تبقى من أعمدة الاقتصاد الوطني”، داعيًا جماعة الحوثيين إلى “تقدير وضع البلد والمواطن، ورأس المال الوطني، ووضع البنوك”، ومؤكدًا أن البنك المركزي لا يملك أي نية للتصعيد، بل يسعى فقط للحفاظ على البنوك كعنصر حيوي في بقاء الاقتصاد.
دعوات لتوحيد السياسات وغياب الدور الحكومي:
من جانبه، شدد الاقتصادي خالد منصر على “غياب شبه كامل للحكومة اليمنية في التعامل مع تداعيات التصنيف الأمريكي”، داعيًا إلى ضرورة تشكيل لجنة مشتركة من الجهات الحكومية المختصة للحد من تأثيراته السلبية على المواطنين وحوالات المغتربين.
كما دعا منصر إلى ضرورة توحيد السياسة المالية والنقدية، مشيرًا إلى وجود “تعارض كبير خلال الفترة الماضية”، مع ضرورة البحث عن تمويل العجز في الموازنة من مصادر غير تضخمية.
وأوصى بصرف النفقات العامة، بما في ذلك الرواتب المدنية والعسكرية، عبر البنوك للمساعدة في إصلاح الخلل في الدورة النقدية، مشيرًا إلى أن البنوك بحاجة إلى دعم البنك المركزي من خلال دفع جزء من عوائد أذون الخزانة ومن حساباتها المجمدة لتخفيف أزمة السيولة.