آخر الأخبار

spot_img

ملاكي الحارس

صحيفة الثوري  – ثقافة:

د. بشير أحمد أبواصبع

إلى رفيقة عمري، ملاكي الحارس في ظلمة الأيام، نجلاء زيد مطيع دماج

لولا عطرك، ما وجدت الطريق… ولولا قلبك، ما بقي لي رجاء.

كل نبضة أمل في حياتي، كانت منك ولك.

(قصة قصيرة):

ملاكي الحارس

استيقظت على ضوءٍ شاحب يخترق ستائر الغرفة، كشريط ضوء يذكرني بالزمن الذي يمضي بلا رحمة. لحظة استيقاظ مؤلمة، كأنني أفتح عيني على جرح قديم. شعرت بآلام في جسدي المنهك، وكأنني حطام سفينة تحطمت على صخور الحياة.

نظرت إلى مرآتي، وشاهدت وجهًا شاحبًا، عينين غائرتين، وشعرًا أشيب قبل وقته. ابتسمت بسخرية، هل هذا هو كل ما تبقى مني؟ رجل عجوز مريض، يائس من الحياة.

زوجتي، التي لطالما كانت ملاذي، نظرت إليّ باستنكار.

“إلى أين تذهب بهذا الحال؟” سألتني بصوت خافت.

حاولت أن أبتسم، لكن شفتاي تحركتا ببطء وكأنهما تتحركان في الماء.

“إلى العمل”، أجبت بصوت أجش. “ماذا سيقولون إن لم أذهب؟ هل سأتركهم يسرقون مني كل ما بقي لي؟”

نظرت إليّ بعمق، وكأنها تحاول قراءة أفكاري.

“أنت مريض، لا تستطيع الذهاب إلى أي مكان. هل نسيت أنك كنت على حافة الموت؟”

أغمضت عيني، وتذكرت الأيام التي قضيتها في المستشفى، وحيدًا ومحاصرًا بالألم.

“أنت في اليمن”، قلت بصوت خافت، “هنا يأكل القوي الضعيف. إن لم أكن هناك، سيأخذون كل شيء.”

مدّت يدها، وأمسكت بيدي. “دعني أرشّ عليك بعض قطرات عطري، ربما يجلب لك الحظ.”

رشّت عليّ العطر، ثم ودّعتني.

خرجت من المنزل، وركبت السيارة مع ابني. شعرت بالبرد يلسع وجهي، وكأن الرياح تحمل معها نفحة من الموت.

وصلنا إلى ساحة الوزارة، وتركت ابني ينصرف. بدأت أسير ببطء، متكئًا على عصاي. كل خطوة أشعر بها وكأنها تزيد من آلامي.

وصلت إلى المبنى، وصعدت الدرجات ببطء شديد. كان المبنى مظلمًا، وكأن الظلام قد استقر فيه إلى الأبد. شعرت بالخوف يزحف إلى قلبي، وكأنني أدخل إلى قبر.

بينما كنت أسير في الممر المظلم، سمعت صوتًا نسائيًا يصرخ:

“هل أنت أعمى؟”

التفتّ، ورأيت امرأة شابة جميلة تحمل في عينيها نظرة من التعجّب والشفقة. شعرت بالخجل، وحاولت أن أتجنبها.

قالت لي بلطف: “لا بأس، سأساعدك.”

بدأت تسير أمامي، وتهديني الطريق. كنت أتبعها، وأنا أشتم عطرها الزكي. شعرت وكأنني عدت إلى شبابي، وكأنني أحلم.

وصلنا إلى مكتبي، والتفتّ لأشكرها، لكني لم أجدها ببساطة؛ لقد اختفت، كما ظهرت، تاركةً وراءها سحابة من العطر، وذكرى لا تُنسى.

هل كانت حقيقية أم مجرد وهم؟ هل كانت ملاكًا أم مجرد امرأة عادية؟ لا أعرف. ولكن ما أعرفه هو أنني خرجت من تلك التجربة مختلفًا.

فقد أدركت أن المعجزات تحدث، وأن تلك الرائحة هي لعطر زوجتي، وأن الأمل لا يموت أبدًا.