آخر الأخبار

spot_img

الصوت النسائي يفتتح “كان 78”: من تونس إلى ألمانيا، حكايات تتكئ على الذاكرة والهشاشة

صحيفة الثوري- سينما: 

بصوت نسائي خالص، افتتح مهرجان كان السينمائي الدولي دورته الثامنة والسبعين، في إعلان واضح لانحياز المهرجان هذا العام للفن الذي يصاغ من داخل التجربة النسوية ومن صميم الهشاشة الإنسانية.

في افتتاح مزدوج الروح، انطلقت العروض بفيلمين من توقيع مخرجتين، الأولى تونسية هي أريج السحيري بفيلمها الروائي “سماء بلا أرض” الذي افتتح قسم “نظرة ما”، والثانية ألمانية هي ماشا شيلينسكي التي تخوض غمار المسابقة الرسمية بفيلمها الجديد “صوت السقوط”. حضور نسائي مزدوج يعيد الاعتبار للصوت الأنثوي، لا كزينة سردية، بل كمكون أصيل من بنية الحكاية السينمائية.

تونس: الهجرة في مواجهة الهشاشة
في عرض عالمي أول، قدّمت أريج السحيري فيلمها الثاني “سماء بلا أرض”، وهو عمل كتبته بالشراكة مع آنا سينيك ومليكة لوات، ويتناول قضايا الهجرة والهشاشة والتضامن، من خلال قصة ثلاث نساء إيفواريات يعشن في تونس: ماري القسيسة السابقة، ناني الأم الشابة، وجولي الطالبة الطموحة. حين تصل طفلة يتيمة إلى المأوى المؤقت الذي يجمعهن، تبدأ توازنات العلاقة في الانهيار، وتطفو مشاعر متناقضة بين الحماية والرفض، بين التعاطف والانكسار.

بعيدًا عن الميلودراما، يعالج الفيلم قضايا المهاجرين لا كمأساة سياسية فقط، بل كقضية إنسانية مركّبة. ويستلهم من أحداث واقعية شهدتها تونس في فبراير الماضي، حين تعرّض المهاجرون من دول جنوب الصحراء لهجمات عنصرية واعتقالات جماعية نتيجة تحريض سياسي.

تؤدي ديبورا ناني دورًا بارزًا في أولى تجاربها السينمائية، إلى جانب آيسا مايغا وليتيسيا كي، فيما يشارك التونسي محمد جرايا بدور يعكس التفاعل المحلي مع أزمة المهاجرين.

ألمانيا: الزمن بوصفه شخصية نسائية
أما المخرجة ماشا شيلينسكي، فخاضت المسابقة الرسمية بفيلمها “صوت السقوط”، وهو عمل تجريبي يتناول مصائر أربع نساء ألمانيات على مدى أربعة عقود، في سرد غير خطي تتداخل فيه الأزمنة، وتتماهى فيه الحكاية مع الحلم، والموت مع الخيال.

الفيلم الذي بدأ بعنوان طويل وشاعري: “الطبيب يقول: سأكون بخير ولكنني أشعر بالزرقة”, استقر لاحقًا على عنوانه المكثف، ويعيد تفكيك الحكاية عبر مشاهد مفعمة بالشعرية البصرية. البطلات ليا دريندا، لويز هاير، سوزان فويست، ولينا أورزيندوفسكي، يجسدن نساءً يعشن في فضاء هش يتأرجح بين الحضور والغياب، الجسد والذاكرة.

العمل لا يقدّم سردًا تقليديًا، بل يدعو المشاهد إلى الانخراط في تجربة حسية تأملية، تلعب فيها الكاميرا دورًا بالغ الأهمية، حيث تزحف العدسة بين الزوايا، وتستحضر الزمن كغبار كثيف لا يفارق الشخصيات.

رؤية افتتاحية بعيون نسائية
من تونس التي تُروى عبرها حكايات أفريقية مهاجرة، إلى ألمانيا التي تستعيد ذاكرتها المحطّمة عبر أجساد النساء، يضع مهرجان كان بصمته الأولى لهذا العام برؤية سينمائية عميقة، تؤكد أن السينما الصادقة لا تحتاج إلى ضجيج ولا شعارات، بل إلى صوت يسقط في القلب ويعلو في الذاكرة