عدن – “صحيفة الثوري”- خاص
تحل الذكرى السابعة والسبعون للنكبة الفلسطينية هذا العام في ظل مشهد دامٍ متجدد، يربط بين تاريخ المأساة وبنيتها المستمرة حتى اليوم. فبينما تشير الأدبيات التاريخية إلى عام 1948 بوصفه لحظة اقتلاع جماعي للفلسطينيين من أرضهم، تشير الوقائع الجارية في غزة والضفة الغربية إلى أن النكبة لم تنته، بل أعادت إنتاج ذاتها بوسائل أشد عنفاً وتحت أنظار نظام دولي معطل.
في عام 1948، فُرض على أكثر من 750 ألف فلسطيني مغادرة منازلهم، إثر عمليات عسكرية ممنهجة نفذتها جماعات صهيونية، أدت إلى تدمير أكثر من 500 بلدة وقرية فلسطينية. هؤلاء اللاجئون، الذين تمركزوا في مخيمات مؤقتة في الدول المجاورة، لم يعودوا إلى ديارهم، رغم مرور أكثر من سبعة عقود ورغم قرارات الأمم المتحدة التي طالبت مرارًا بتمكينهم من العودة، أبرزها القرار 194 الصادر في كانون الأول/ديسمبر 1948.
مأساة مستمرة: غزة نموذجاً
في الوقت الراهن، تطرح الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023 مثالاً صارخاً لاستمرار البنية العنيفة للنكبة. فبحسب بيانات منظمات حقوقية دولية، أسفرت العمليات العسكرية عن مقتل ما يزيد على 40 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، وتدمير شامل للبنية التحتية في مناطق واسعة من القطاع، بينها مستشفيات ومراكز تعليمية وأحياء سكنية.
ما يثير القلق ليس فقط حجم الدمار، بل النمط الممنهج الذي يُعيد إلى الأذهان أنماطًا سابقة من الاستهداف العشوائي والتجريف الديموغرافي. كما أن الحصار الطويل الذي فُرض على غزة منذ عام 2007، وما رافقه من تقييد لحركة الأفراد والبضائع، عمّق من مأساة السكان، ورفع معدلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة.
حق العودة: بين القانون والتعطيل السياسي
رغم أن القانون الدولي لا يزال ينص بوضوح على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، فإن هذا الحق لم يجد طريقه إلى التنفيذ. بل على العكس، سعت بعض المسارات السياسية إلى تجاوزه أو إلغائه كلياً، من خلال صيغ “التسوية النهائية” التي تقدم حلولاً إنسانية بديلاً عن الحل السياسي الجذري.
ويرى باحثون مختصون في القانون الدولي أن “حق العودة” ليس قابلاً للتقادم أو التفاوض، كونه مرتبطاً بجريمة تهجير قسري ارتُكبت في سياق صراع غير متكافئ، وما يزال أثرها قائماً حتى اللحظة. وهذا ما يجعل من القضية الفلسطينية حالة استثنائية في التاريخ المعاصر للصراعات، من حيث طول أمدها وتعطيل أدوات حلّها.
صمت دولي وتحولات إقليمية
يتوازى استمرار النكبة مع تحولات في مواقف دولية وإقليمية. ففي الوقت الذي تبنت فيه بعض العواصم العربية سياسات تطبيع تدريجية مع إسرائيل، على حساب مركزية القضية الفلسطينية، ظل الصوت الدولي إزاء الانتهاكات في الأراضي المحتلة خافتًا أو انتقائيًا.
من جهتها، ترى منظمات حقوق الإنسان أن ازدواجية المعايير في المواقف الغربية تجاه ما يحدث في غزة، مقارنة بأزمات أخرى في العالم، تضعف من مصداقية النظام الدولي، وتُعمّق من شعور الفلسطينيين بالعزلة والخذلان.
النكبة كحالة ممتدة
إن إحياء الذكرى الـ77 للنكبة لا يقتصر على التذكير بما حدث عام 1948، بل يكشف استمرارية نمط من الإقصاء والإنكار المتواصل لحقوق شعب بأكمله. ومهما تنوعت أدوات الاحتلال، من الحصار إلى الاستيطان، ومن العزل الجغرافي إلى الإبادة المباشرة، فإن النتيجة واحدة: تفريغ الأرض من سكانها الأصليين.
في خضم هذا المشهد، تظل المعضلة الفلسطينية من دون أفق سياسي واضح، في ظل غياب ضغوط دولية حقيقية، وانقسام داخلي فلسطيني معطّل. غير أن مرور الزمن لا يخفف من فداحة المأساة، بل يضاعف مسؤولية العالم في إنصاف الضحية، ليس عبر الشعارات، بل بتفعيل القانون ووقف الجريمة المستمرة.