صحيفة الثوري- نيويورك تايمز:
شنت إسرائيل ضربات على مستشفى رئيسي في جنوب غزة في محاولة لقتل قائد بارز في حماس، مما أثار الانتباه مجددًا إلى إحدى القضايا الأكثر إثارة للجدل في الحرب: الهجمات الإسرائيلية على المنشآت الطبية واستخدام حماس لهذه المواقع لأغراض عسكرية.
واسفر الهجوم على مجمع مستشفى غزة الأوروبي قرب خان يونس عن مقتل ما لا يقل عن ستة أشخاص، وفقًا للسلطات الطبية في غزة، وخلف حفر عدة عميقة داخل وحول أرض المستشفى، بحسب مقاطع فيديو صورت في الموقع وتم التحقق منها من قبل صحيفة نيويورك تايمز.
وفي مجموعة منفصلة من الهجمات، قالت وزارة الصحة الفلسطينية إن الضربات الإسرائيلية قتلت عشرات الأشخاص في شمال غزة خلال الليل.
ونادرًا ما شنت إسرائيل هجومًا بهذه القوة على منشأة صحية كما حدث في مستشفى غزة الأوروبي في هذه الحرب التي دمرت القطاع الصحي في غزة.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه كان يستهدف مركز قيادة تابع لحماس تحت المجمع، وقال مسؤولون إسرائيليون تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم لكشف تفاصيل حساسة إن الهدف المحدد كان محمد السنوار، القائد البارز في حماس.
وقال عماد الحوت، مدير المستشفى، في مقابلة هاتفية إن الضربات — التي قال إنها نُفذت دون تحذير — ألحقت أضرارًا بالجدران والأنابيب وقطعت إمدادات المياه وأخرجت المستشفى عن الخدمة، وأجبرت معظم المرضى البالغ عددهم 200 على الإخلاء.
ونفى الحوت وجود مقاتلي حماس داخل المجمع، مضيفًا أنه لا يعتقد أن الجماعة حفرت أنفاقًا تحته، رغم أنه لا يستطيع استبعاد ذلك بشكل قاطع.
وأججت الهجمات على المنشآت الطبية اتهامات بالنسبة للمدافعين عن حقوق الإنسان والجهات الدولية المراقبة، بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة، جزئيًا من خلال تدمير نظامهم الصحي.
وبحلول أوائل مايو، سجلت منظمة الصحة العالمية 686 هجومًا على المنشآت الصحية في غزة منذ بدء الحرب، وقد تسببت تلك الهجمات في إلحاق الضرر بما لا يقل عن 33 من مستشفيات غزة البالغ عددها 36، وفي وقت من الأوقات كانت 19 منها على الأقل خارج الخدمة؛ وقد عادت خمسة منها منذ ذلك الحين للعمل.
وخلصت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي إلى أن مثل هذه الهجمات مجتمعة تشكل “سياسة ممنهجة لتدمير النظام الصحي في غزة”.
وبالنسبة لإسرائيل والمدافعين عنها، الذين ينكرون بشدة اتهامات الإبادة الجماعية، فإن مثل هذه الهجمات تعتبر ردود فعل ضرورية وقانونية على استخدام حماس للمستشفيات لأغراض عسكرية.
وتقول إسرائيل إن حماس تستخدم المستشفيات والأنفاق والمخابئ تحتها كمراكز قيادة ومخابئ ومستودعات أسلحة.
وتنفي حماس ذلك بشدة، لكن المسؤولين الإسرائيليين يقولون إن الجماعة حولت القطاع الصحي في غزة إلى درع مدني للنشاط العسكري.
وقالت القوات الإسرائيلية في منشور على موقعها الإلكتروني، والذي أشار إليه متحدث عسكري بدلاً من التعليق المباشر: “استخدام المستشفيات لأغراض الإرهاب هو إحدى الأساليب الأساسية لحماس. البنية التحتية الإرهابية في المستشفيات تهدف إلى توفير الحماية المثالية للإرهابيين خلال أوقات الحرب”.
وأظهرت مقابلات مع أعضاء في حماس وجنود إسرائيليين يعملون في غزة، إضافة إلى أدلة أخرى، أن حماس استخدمت بعض المنشآت الطبية لإخفاء مداخل تؤدي إلى شبكة أنفاقها العسكرية الواسعة، وتخزين الأسلحة وتمركز المسلحين. كما أفاد فلسطينيون برؤية مقاتلي حماس يعملون داخل المنشآت الصحية، سواء في هذه الحرب أو في صراعات سابقة.
في مارس 2024، تحصن مجموعة من المسلحين في مستشفى الشفاء، وهو مستشفى رئيسي في مدينة غزة، مما أدى إلى معركة استمرت لأيام مع الجيش الإسرائيلي.
وبموجب قواعد النزاع الدولية، تعتبر المستشفيات مواقع محمية لا يجوز مهاجمتها إلا في حالات نادرة. ويجعل استخدام المستشفى لأغراض عسكرية منه هدفًا مشروعًا، لكن فقط إذا كانت المخاطر على المدنيين متناسبة مع الفائدة العسكرية المتوقعة من الهجوم.
كما تنص القوانين الدولية على أن القوة المهاجمة يجب أن تعطي تحذيرًا مسبقًا قبل ضرب المستشفى للسماح بإخلاء المدنيين، وهو ما لم تفعله إسرائيل قبل الهجوم على مستشفى غزة الأوروبي.
وقال لورانس هيل-كوثرن، الخبير في قوانين النزاع المسلح بجامعة بريستول في إنجلترا: “إذا استخدمت حماس المستشفى لحماية مركز قيادة وتحكم عسكري، فإن ذلك يعد انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي، ويمكن أن يعني في المبدأ أن المستشفى يفقد حمايته التلقائية من الهجوم”.
وأضاف: “لكن إسرائيل ملزمة بموجب اتفاقية جنيف الرابعة بتوجيه تحذير قبل مهاجمة المستشفى للسماح بإخلاء المدنيين، ويظل الهجوم غير قانوني إذا تسبب في أضرار غير متناسبة للمدنيين”.
ويقول خبراء القانون الدولي إن تقييم الأضرار المحتملة للمدنيين يجب أن يأخذ في الاعتبار تأثير الضربة على النظام الصحي الأوسع في المنطقة، وليس فقط على المستشفى المتضرر.
ويصبح من الصعب في غزة، حيث تعرضت العديد من المراكز الصحية لأضرار أو أصبحت خارج الخدمة، تبرير الهجمات على المستشفيات قانونيًا، وفقًا لجانينا ديل، الخبيرة في قوانين النزاع المسلح بجامعة أكسفورد.
وقالت البروفيسورة ديل: “أجد صعوبة في رؤية أي فائدة عسكرية متوقعة قد تجعل أي هجوم على مستشفى في غزة الآن متناسبًا”.
وامتنع الجيش الإسرائيلي عن التعليق على عدم تقديم تحذير قبل الهجوم على مستشفى غزة الأوروبي.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي، بشرط عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بمناقشة الأمر علنًا، إن الجيش قام بتقييم قانونية الضربة وخلص إلى أنه كان يتصرف وفقًا للقانون الدولي.