آخر الأخبار

spot_img

‏كيف تسبب هجوم السابع من اكتوبر باكبر حملة تهجير في الضفة الغربية منذ 1967؟

صحيفة الثوري- نيويورك تايمز: 

بدت الشوارع وكأنها غزة، فالمنازل تحولت إلى أنقاض، وجدران مثقوبة برصاص البنادق، وطرقات ممزقة بفعل الجرافات والأحياء تتحول إلى مناطق مهجورة واحدة تلو الأخرى.

لكن هذه لم تكن غزة، الإقليم المدمر بفعل الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، حيث قُتل عشرات الآلاف ويعاني السكان من الجوع بل الضفة الغربية المحتلة، وهي إقليم فلسطيني آخر حيث عزز الجيش الإسرائيلي سيطرته في أكبر حملة قمع للمسلحين هناك منذ جيل.

كانت مظاهر الحملة الجديدة تتكشف خلال زيارة قام بها مراسلو نيويورك تايمز إلى مدينة جنين، حيث الأحياء المكتظة سابقاً أصبحت الآن فارغة منذ بدء العملية في يناير.

 

في أحد تلك الأحياء، كان يعيش أكثر من عشرة آلاف شخص حتى وقت قريب لكنه الان أصبح مهجوراً وطرقاته مغلقة بأكوام من التراب، ومحاطة بأنقاض المنازل.

أعلنت القوات الإسرائيلية هذا الأسبوع إنها ستبدأ في هدم منازل في طولكرم، المدينة القريبة من جنين، لتسهيل وصول القوات الإسرائيلية إلى الأحياء المكتظة ومنع عودة المسلحين.

ويقول معاذ عمرنة، الطالب الجامعي البالغ من العمر 23 عاماً، يوم الأربعاء، وهو اليوم الذي علم فيه أن منزله في طولكرم سيتم تدميره: “إنهم يأخذون مني مستقبلي”.

نفذت إسرائيل عمليات عسكرية متكررة في هذه المنطقة في السنوات الأخيرة، لكن قواتها كانت تغادر عادةً خلال ساعات أو أيام لكنها حافظت منذ يناير الماضي على أطول تواجد مستمر في قلب مدن الضفة الغربية منذ عقود.

استهدفت الحملة الاسرائيلية الحالية حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية ولكن الاشتباكات أصبحت نادرة، مما يشير إلى أن إسرائيل والسلطات الفلسطينية في الضفة قد اعتقلتا أو قتلتا العديد من المسلحين.

كانت المدينتان الأكثر تضرراً، جنين وطولكرم، تخضعان منذ زمن لسيطرة السلطة الفلسطينية، الجهة شبه المستقلة التي تتعاون مع إسرائيل في الشؤون الأمنية والتي كان يأمل كثير من الفلسطينيين أن تصبح نواة لحكومة الدولة المستقبلية.

لكن الوجود الإسرائيلي الممتد في هذه المدن يقوض سلطة السلطة الفلسطينية، وتقول إسرائيل إن السلطة لم تقم بما يكفي للحد من نشاط المسلحين في المنطقة.

ويقول محمد جرار، رئيس بلدية جنين، في مقابلة بمكتبه في مارس: “نحن عند نقطة تحول في الصراع، فإسرائيل تتصرف كما لو أن السلطة الفلسطينية غير موجودة”.

بدأ الهجوم الإسرائيلي بعد أيام من بدء سريان وقف إطلاق النار في غزة في يناير حيث أضافت الحكومة في ذلك الوقت هدفاً جديداً إلى أهداف الحرب: توجيه ضربة للمسلحين في الضفة الغربية.

وتدفقت المركبات المدرعة المدعومة بالطائرات المروحية إلى مخيم جنين بعد ذلك.

وقالت إسرائيل إنها قتلت أكثر من 100 مسلح واعتقلت المئات منذ بدء العملية، وقد نزح ما يقارب أربعين ألف فلسطيني — وهو أعلى رقم نزوح في الضفة الغربية منذ أن احتلت إسرائيل المنطقة في حرب 1967.

وقد أثار ذلك مخاوف لدى بعض الفلسطينيين من نكبة ثانية — الكلمة العربية التي تعني “الكارثة” والتي تستخدم لوصف التهجير الجماعي وطرد الفلسطينيين خلال الحرب التي رافقت قيام إسرائيل عام 1948.

وتقول سليمة السعدي، 83 عاماً، المقيمة في مخيم جنين والتي قالت إنها تعرضت للتهجير مرة من قبل قبل ما يقرب من ثمانية عقود: “أخشى ألا أستطيع العودة إلى بيتي كما حدث في 1948″.

وأمر وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس قواته في أواخر فبراير، بالاستعداد للبقاء في جنين وطولكرم للعام المقبل وإذا حدث ذلك، فسيكون ذلك تحولاً كبيراً في طريقة إدارة مدن الضفة الغربية منذ إنشاء السلطة الفلسطينية في التسعينيات، حينما نقلت إسرائيل معظم المسؤوليات الإدارية في المدن إلى السلطة الفلسطينية.

زار مراسلو نيويورك تايمز مخيم جنين برفقة ضابط إسرائيلي رفيع المستوى في ناقلة جند مدرعة للوصول إلى مناطق محظورة، ولم تسمح الصحيفة للجيش الإسرائيلي بمراجعة تغطيتها قبل النشر، لكنها وافقت على عدم تصوير وجوه بعض الجنود الإسرائيليين.

أنشأت الجماعات الفلسطينية المسلحة مصانع أسلحة في المخيمات، وتحصنت في الأحياء الأكثر اكتظاظاً، وزرعت عبوات ناسفة على الطرقات لمهاجمة الجنود الإسرائيليين.

تقوم القوات الإسرائيلية بدوريات في مخيمي جنين وطولكرم ليلاً ونهاراً، وقد بدأت في تمشيط المباني بحثاً عن الأسلحة وتفجير المنازل التي تعتقد أنها استخدمت لأغراض عسكرية.

كما بدأت في توسيع الطرق، وفقاً لصور جوية، وهو ما من شأنه أن يسهل على الجنود الوصول إلى المناطق الأكثر اكتظاظاً في المخيمات، وقد دمرت القوات الإسرائيلية المباني والطرقات التي تقول إنها تحتوي على مخابئ للإرهابيين وعبوات ناسفة.

ويقول عمار أبو بكر، رئيس غرفة تجارة جنين، معبراً عن مخاوف الكثير من الفلسطينيين: “إنهم يبعثون برسالة أنهم يريدون الضم”.

وقد غذت هذه المخاوف حقيقة أن وزراء بارزين في حكومة إسرائيل المتشددة يدعون إلى ضم الضفة الغربية، التي يقطنها قرابة ثلاثة ملايين فلسطيني ونصف مليون مستوطن إسرائيلي.

وكانت المخيمات — الأحياء المكتظة التي يقول الفلسطينيون إنها تجسد معاناة اللاجئين الفلسطينيين — تأوي عشرات الآلاف من الأشخاص لعقود وقد تحولت ما كانت في السابق تجمعات من الخيام إلى مبانٍ إسمنتية في أحياء فقيرة.

يقول السيد عمار أبو بكر، رئيس غرفة تجارة جنين، والسيد محمد جرار، رئيس البلدية، إنهما أُبلغا في أواخر يناير من قبل المقدم أمير أبو جناب، ضابط الارتباط العسكري الإسرائيلي في جنين، أن إسرائيل تخطط لتحويل مخيم جنين إلى حي سكني عادي، وهو ما يعارضه العديد من الفلسطينيين لأنهم يرونه محاولة لمحو رمز معاناة اللاجئين.

وأضافا أنهما أُبلغا أيضًا أن الأونروا، وكالة الأمم المتحدة التي تقدم المساعدات للفلسطينيين وتدير المدارس والعيادات في الضفة الغربية، لن يكون لها دور بعد الآن في مخيم جنين.

كانت العلاقات بين إسرائيل والأونروا متوترة لسنوات، وزادت العداوة تجاه الوكالة منذ اندلاع حرب غزة في السابع من أكتوبر 2023 بهجوم شنته حماس على إسرائيل.

ورفضت منسقة أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق (COGAT)، الوكالة العسكرية التي تنسق مع الفلسطينيين، التعليق، ونفت القوات الإسرائيلية أنها أجبرت الناس على المغادرة، لكن الفلسطينيين قالوا إنهم تعرضوا للتهديد بالعنف في حال رفضوا المغادرة.

يقول كفاح سهيل، 52 عامًا، إن طائرة مسيرة إسرائيلية حلقت بالقرب من منزلها في جنين قبل بضعة أشهر، وأمرتها عبر مكبر الصوت برفع يديها والخروج، وقالت إن الطائرة حذرتها من أن منزلها سيُستهدف إذا لم تمتثل.

بعدما هرعت السيدة سهيل خارج المنزل مع ابنها، وتابعتهما الطائرة وأعطتهما تعليمات بشأن الاتجاه الذي يجب أن يسلكا حتى غادرا المخيم، وفق قولها.

وقالت: “شعرت أنهم سيقتلوننا”.

وقال الضابط العسكري الذي قاد الزيارة إلى جنين إن القوات الإسرائيلية كانت تدمر بنى تحتية للمسلحين مثل الأنفاق ومخابئ الأسلحة ومواقع التصنيع، رافضاً الادعاءات بأن إسرائيل تسعى لتحقيق أهداف تتجاوز استعادة الأمن، وتحدث بشرط عدم الكشف عن هويته تماشيًا مع البروتوكولات العسكرية.

وأشار إلى محطة قطار قديمة كانت قد بُنيت في عام 1908 عندما كانت المنطقة جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، وقال إن المسلحين كانوا قد بنوا نفقًا سريًا تحتها وأن الجيش قام بتفجيره.

وكان مئات الفلسطينيين النازحين متفرقين في مبانٍ سكنية مخصصة أصلاً لطلبة الجامعة.

كان محمد أبو وصفة، 45 عامًا، وهو أحد سكان مخيم جنين، يساعد القادمين الجدد في الاستقرار داخل شقق ذات غرفة واحدة بينما كان الأطفال يلعبون في الخارج وكان الجزء الأكثر إيلامًا في النزوح بالنسبة له، ليس مجرد الطرد من منزله، بل عدم معرفته بما حدث للمنزل.

وقال: “نحن نعيش في المجهول ونخوض رحلة تعذيبية ومزعزعة للاستقرار”.

وأضاف: “لقد فقدنا السيطرة على كل شيء”.