صنعاء – صجيفة الثوري-خاص:
تواصل جماعة الحوثي نهجها الممنهج في تطييف التعليم وتحويله إلى أداة لتكريس أيديولوجيا مذهبية تخدم مشروعها الخاص، بعيدًا عن متطلبات العصر وحقوق الأجيال القادمة. ففي مذكرة جديدة صادرة عن وزارة التربية والتعليم التابعة للجماعة بتاريخ 30 أبريل 2025، وجّهت السلطات الحوثية بإلغاء تدريس اللغة الإنجليزية في المدارس الأهلية حتى الصف الثالث الأساسي، وهو توجّه خطير ينذر بعواقب وخيمة على مستقبل التعليم في اليمن.
وبحسب التعميم الذي حمل توقيع نائب وزير التربية والتعليم الحوثي، فؤاد عبد الله ناصر الصمدي، فقد تم التأكيد على “حصر المواد التعليمية في الصفوف الأولى على القراءة والكتابة باللغة العربية، وتلاوة القرآن الكريم والمهارات الأساسية فقط”، وذلك في إطار ما تسميه الجماعة بـ”تعزيز الهوية الإيمانية والثقافة الوطنية”. كما شدّد التعميم على ضرورة منع تدريس أي مواد أو أنشطة خارجية غير مصرح بها، مهددًا باتخاذ إجراءات قانونية ضد المخالفين.
تعليم مُفرغ من مضمونه العلمي
يرى تربويون ومراقبون أن هذه التوجيهات تمثل انتكاسة خطيرة للتعليم في اليمن، وتحمل في طيّاتها عدة أوجه من الخطورة:
- تقويض التعليم الحديث والشامل: باستبعاد مواد أساسية كالعلوم، والرياضيات، واللغة الإنجليزية، يتم حرمان الأطفال من أدوات التفكير المنطقي والتحليل العلمي، ما يضعف قدراتهم على الإبداع ومواكبة التطورات العلمية الحديثة.
- عزل اليمن عن العالم: اللغة الإنجليزية لم تعد مادة اختيارية بل ضرورة علمية، كونها لغة البحث والتعليم العالي. إقصاؤها من الصفوف الأولى يزيد من عزلة الطلاب عن العالم الخارجي ويقلل من فرصهم في التعليم الجامعي والعمل مستقبلاً.
- تسييس التعليم وتطييفه: التوجيهات الحوثية بحصر المواد على القرآن واللغة العربية تعكس سعيًا واضحًا لإخضاع التعليم لأهداف مذهبية، وتحويل المدارس إلى ساحات تعبئة طائفية.
- مخالفة المعايير الدولية للتعليم: ما تفرضه الجماعة يتناقض مع مبادئ التعليم الشامل التي تنادي بها منظمات مثل اليونسكو، والتي تؤكد على أهمية التوازن بين القيم المحلية والعلوم الحديثة.
- تدمير البنية المعرفية للأجيال القادمة: التعليم المختزل في مفاهيم مذهبية ضيقة يخرّج أجيالاً غير قادرة على المنافسة، محرومة من فرص التطور والانفتاح، ما يهدد مستقبل اليمن العلمي والاقتصادي والثقافي.
قرار يهدد حق الأطفال في التعليم
يعدّ القرار الحوثي انتهاكًا صارخًا لحق الأطفال في الحصول على تعليم متكامل وحر، ويكرّس واقعًا تعليميًا مختلًا يخدم أجندة الجماعة لا مصلحة الطالب أو المجتمع. ويؤكد خبراء أن الاستمرار في هذا النهج يهدد وجود مؤسسات التعليم ذاتها، ويحوّل المدارس إلى أدوات لتكريس التبعية والطاعة بدلاً من أن تكون منابر للفكر والحرية والمعرفة.
وفي ظل غياب الدولة ومؤسسات الرقابة المستقلة، وتحت وطأة سلطة الأمر الواقع، تستمر جماعة الحوثي في فرض رؤيتها على قطاع التعليم، في واحدة من أخطر العمليات التي تستهدف الوعي الجمعي وتعيد تشكيله وفق مفاهيم مذهبية أحادية.
خطر وجودي على التعليم والمجتمع
إن هذه التوجيهات لا تندرج ضمن إطار “إصلاح التعليم” كما تروج الجماعة، بل هي خطوة جديدة في مسار تجريف العملية التعليمية من مضامينها العلمية والوطنية والإنسانية، وتهدد مستقبل اليمن وأجياله القادمة. ويحمّل تربويون المجتمع الدولي مسؤولية الصمت، داعين إلى تدخل عاجل من المنظمات المعنية لحماية ما تبقى من التعليم في مناطق سيطرة الحوثيين.