“صحيفة الثوري” – المحرر الثقافي:
في ذاكرة الأدب اليمني، يظل اسم محمد أحمد عبد الولي حاضرًا كأحد أبرز رواد السرد القصصي والروائي في القرن العشرين، على الرغم من رحيله المبكر عن عمر لم يتجاوز الثالثة والثلاثين. وُلد عبد الولي في 12 نوفمبر 1939 بمدينة ديرداوا الإثيوبية لأب يمني وأم إثيوبية، في بيئة هجينة ثقافيًا شكلت وعيه المبكر، وكان والده من أوائل المهاجرين اليمنيين المنخرطين في حركة الأحرار.
بدايات التكوين والتعليم
قضى عبد الولي طفولته في إثيوبيا، حيث التحق بمدارس الجالية اليمنية. ثم عاد إلى اليمن عام 1946، قبل أن يواصل دراسته في مصر بالأزهر الشريف عام 1955. هناك، انخرط في النشاط الطلابي وأسهم في تأسيس أول رابطة لطلبة اليمن. إلا أن انتماءه الفكري إلى التيار اليساري أدى إلى طرده من مصر عام 1959، ما دفعه للسفر إلى الاتحاد السوفييتي، حيث التحق بمعهد غوركي للآداب ودرس فيه لمدة عامين، ليصقل أدواته الأدبية وسط مناخ فكري وثقافي متنوع.
من الدبلوماسية إلى الكتابة
بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962، عاد عبد الولي إلى اليمن والتحق بالسلك الدبلوماسي، ممثلًا بلاده في عدد من السفارات، من بينها موسكو. لكن هاجس الكتابة ظل يسكنه، فعاد لاحقًا إلى صنعاء ليتفرغ لإدارة دار اليمن للطباعة والنشر، رغم ما تعرض له من مضايقات، بلغت حد السجن مرتين، الأولى عام 1968 والثانية عام 1972.
أعماله الأدبية وسجالاتها
أصدر عبد الولي مجموعته القصصية الأولى “الأرض يا سلمى” عام 1966، وتلتها “شيء اسمه الحنين” عام 1972. كما كتب رواية “يموتون غرباء”، التي نشرت أولًا على صفحات صحيفة “الثورة” عام 1971، قبل أن تُطبع في بيروت بعد وفاته. ومن أبرز أعماله أيضًا رواية “صنعاء.. مدينة مفتوحة”، التي أثارت جدلًا واسعًا وتعرضت لهجوم ديني في مطلع الألفية الجديدة، باعتبارها متجاوزة للمحظورات الاجتماعية والدينية. وقد نُشرت له أيضًا المجموعة القصصية “عائشة صالح العمراني” بعد وفاته، عام 1986.
وتُرجمت بعض أعماله إلى لغات عدة، منها الفرنسية والروسية والألمانية والإنجليزية، ما يعكس البعد الإنساني والكوني في أدبه.
تكريم بعد الرحيل
رغم رحيله المفاجئ في حادث تحطم طائرة يوم 30 أبريل 1973، ظل تأثير عبد الولي حاضرًا في المشهد الثقافي اليمني، حيث أُطلقت جائزة أدبية باسمه تكريمًا لإسهاماته الرائدة في الرواية والقصة القصيرة، هي “جائزة محمد عبد الولي للرواية”.
رحل محمد عبد الولي جسدًا، لكنه بقي علامة فارقة في الأدب اليمني والعربي، وصوتًا مبكرًا للهموم الإنسانية في بيئة قلّ فيها من يتقن فن الحكي الممزوج بالوعي السياسي والاجتماعي.