“صحيفة الثوري” – (أمواح ميديا):
د. علي المعموري – ترجمة “صحيفة الثوري”
إن التوترات المستمرة بين إيران وإسرائيل، والتي تتوالى التزامن مع تجدد المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة، قد دفعت المنطقة إلى مفترق طرق حاسم. ويبدو احتمال اندلاع مواجهة إقليمية أوسع نطاقًا من أي وقت مضى، مما يشكل تهديدًا مشتركًا لكل من إيران والمملكة العربية السعودية، ومن غير المرجح أن ينجو أي منهما من نيران الحرب في حال اندلاع صراع.
وفي هذا السياق، تشير الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الدفاع السعودي إلى طهران، والتي تضمنت اجتماعاً نادراً على مستوى رفيع مع أعلى صانع قرار في إيران، إلى خطوة مهمة نحو تعزيز العلاقات الثنائية في الوقت الذي يسعى فيه الجارتان إلى مواجهة التحديات المشتركة معاً.
الأهم من ذلك، أن وزير الدفاع حمل رسالة من ملك السعودية، وهي رسالة، وفقًا لمصادر مطلعة على محتواها، تناولت قضايا رئيسية مثل فلسطين واليمن والأمن الثنائي والتواصل الدبلوماسي الإيراني مع الولايات المتحدة. في جميع هذه المجالات، أحدثت التطورات في السنوات الأخيرة تحولات مهمة جعلت وجهات نظر ومواقف إيران والسعودية اليوم أقرب إلى التقارب منذ عقود.
استضافة نادرة لملكي
استقبل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في 17 أبريل/نيسان وزير الدفاع خالد بن سلمان آل سعود – وهو شخصية بارزة في العائلة المالكة السعودية – حيث سلمه رسالة شخصية من والده الملك سلمان بن عبد العزيز.
ليست هذه المرة الأولى التي يلتقي فيها مسؤول سعودي رفيع المستوى بمسؤول إيراني رفيع المستوى. ففي عام ١٩٩٧، استضاف خامنئي ولي العهد آنذاك، الملك عبد الله بن عبد العزيز (٢٠٠٥-٢٠٠٥)، ووزير الدفاع الأمير سلطان بن عبد العزيز عام ١٩٩٩، ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل عام ٢٠٠٦. إلا أن لقاء ولي العهد مع الأمير خالد بن سلمان يبرز كونه أول لقاء رفيع المستوى منذ تطبيع العلاقات بين البلدين عام ٢٠٢٣، مما يُبرز الزخم المتزايد في العلاقات الثنائية.
عقب اجتماع 17 أبريل/نيسان، نشر الجانبان رسائل إيجابية على مواقع التواصل الاجتماعي. وأكد آية الله خامنئي استلام رسالة الملك سلمان، ورحب بزيارة الأمير السعودي الشاب، مؤكدًا أن “العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية مفيدة لكلا البلدين”، مضيفًا : “من الأفضل بكثير أن يتعاون الأشقاء في منطقة غرب آسيا ويساعدوا بعضهم بعضًا بدلًا من الاعتماد على الآخرين”.
من جانبه، غرد سمو الأمير خالد بن سلمان قائلاً : “سلمتُ رسالة من خادم الحرمين الشريفين، ونقلتُ له تحيات القيادة. وناقشنا علاقاتنا الثنائية، والموضوعات ذات الاهتمام المشترك”.
الرسالة السعودية
تأتي رسالة العاهل السعودي إلى المرشد الأعلى الإيراني في لحظة بالغة الحساسية، مع تصاعد التوترات بين طهران وتل أبيب، ومع تسارع وتيرة المفاوضات بين طهران وواشنطن. وأفادت مصادر مطلعة على مضمون الرسالة السعودية لموقع أمواج.ميديا أنها غطت أربعة مجالات رئيسية: فلسطين، واليمن، والأمن الثنائي، والحوار الإيراني المستمر مع إدارة دونالد ترامب. وبشكل عام، وُصفت نبرة ومضمون الوثيقة بأنها تعكس استعدادًا واضحًا لتعميق العلاقات وتوسيعها.
يُقال إن الملك سلمان أعرب عن دعمه للمفاوضات الإيرانية الأمريكية، مشجعًا الجمهورية الإسلامية على السعي للتوصل إلى اتفاق من شأنه أن يُعزز الاستقرار الإقليمي. يُمثل هذا الموقف تحولًا جذريًا عن الوضع في عام ٢٠١٥، عندما انتقدت المملكة الاتفاق النووي المُبرم في ذلك العام بين إيران وست قوى عالمية، بما فيها الولايات المتحدة. يُذكر أن الرئيس ترامب انسحب من الاتفاق بشكل أحادي في عام ٢٠١٨، وأعاد فرض جميع العقوبات على الجمهورية الإسلامية، في حين بلغ التوتر بين إيران والسعودية مستويات جديدة.
علمت أمواج.ميديا أيضًا أن الزيارة السعودية تضمنت عرضًا للتوسط بين طهران وواشنطن، دعمًا للعملية الدبلوماسية الجارية في عُمان. وأكدت مصادر مطلعة أن ولي العهد السعودي طرح، خلال حديثه مع خامنئي، إمكانية استضافة اجتماع غير رسمي بين مسؤولين أمريكيين وإيرانيين خلال زيارة ترامب المرتقبة إلى الرياض الشهر المقبل. ومع ذلك، أشارت مصادر سياسية إيرانية لـ أمواج.ميديا إلى وجود شعور في طهران حاليًا بأن الوقت قد لا يكون مناسبًا للقاء بين الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان وترامب.
وفي رسالته إلى خامنئي، قيل إن الملك سلمان حث إيران أيضًا على استخدام نفوذها للسيطرة على حركة أنصار الله في اليمن، المعروفة باسم الحوثيين، وتخفيف التوترات في البحر الأحمر – وهي الخطوة التي من شأنها أن تعتبر مفيدة في تسريع الحوار بين إيران والولايات المتحدة.
فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أكد الملك موقف المملكة العربية السعودية الثابت: لن تُطبّع الرياض العلاقات مع إسرائيل دون حل عادل يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة. وتشير مصادر مطلعة على الأحداث الأخيرة في طهران إلى أن هذا الإعلان لاقى ترحيبًا من إيران، التي أعربت عن خيبة أملها وقلقها إزاء موجة التطبيع العربي الإسرائيلي في المنطقة خلال السنوات الأخيرة.
بالإضافة إلى ذلك، يُقال إن الملك سلمان استجاب بشكل إيجابي لطلب إيران المُستمر لاتفاقية أمنية ثنائية. وأوضحت المصادر المُطلعة أن العاهل السعودي اقترح نهجًا تدريجيًا نحو بناء التعاون الأمني، بدءًا بالخطوات التأسيسية وزيادة التنسيق بمرور الوقت. تجدر الإشارة إلى أن الموقف السعودي الحالي هو تتويج لعملية حوار رسمية بدأت قبل عدة سنوات. قبل الموافقة على تطبيع العلاقات بموجب اتفاقية بوساطة صينية في عام 2023، عقد المسؤولون الإيرانيون والسعوديون خمس جولات من المحادثات في العراق، حيث كان هذا الكاتب حاضرًا كجزء من الوفد العراقي الذي يُيسّر المناقشات. وشملت النتيجة الأولية لتلك المحادثات حوارًا أمنيًا على مستوى أدنى في عُمان، حيث بدأ مسؤولو المخابرات من كلا الجانبين في استكشاف التهديدات المشتركة وسبل تعزيز الاستقرار الإقليمي.
في ظل هذه الخلفية، أكد الجانبان خلال المناقشات الأخيرة في طهران على أهمية تعزيز العلاقات لمواجهة التحديات المشتركة والتصدي لأهداف أطراف ثالثة تسعى لتقويض الوحدة الإقليمية. وتردد صدى هذا الشعور لاحقًا في تغريدة نُسبت إلى خامنئي، جاء فيها : “ما أشرتم إليه [السعودية] بشأن استفادة النظام الصهيوني من الخلاف بين دول المنطقة صحيح. يجب علينا التغلب على دوافعهم العدائية”.
الآفاق المستقبلية
يُشير التقدم الملحوظ في العلاقات الإيرانية السعودية إلى مستقبل واعد للتعاون الثنائي. لا سيما وأن المملكة كانت في السابق من أشد معارضي الحوار الإيراني الأمريكي، مدفوعةً بقلقها من توسع نفوذ إيران في المنطقة على حساب المصالح السعودية. إلا أن التطورات الأخيرة غيّرت ديناميكيات العلاقة بين القوتين الإقليميتين.
أولاً، تراجع الخطاب الطائفي السائد بين الرياض وطهران بشكل ملحوظ، مما أتاح مساحةً لحوار بنّاء وتفاهم متبادل. وقد مهّد هذا التحول الطريق لتحرك تدريجي نحو تعاون إقليمي أوسع.
ثانيًا، ساهم وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة في اليمن – والذي نُسِّق جزئيًا عبر الحوار الإيراني السعودي في العراق – وسقوط الرئيس السابق بشار الأسد في سوريا، بالإضافة إلى ظهور حكومات موالية للعرب في كل من لبنان وسوريا، في تخفيف التوترات الإقليمية. وقد أتاحت هذه التغييرات للرياض وطهران إعادة التركيز على تعزيز علاقاتهما الثنائية في مجالات متعددة، بما في ذلك المجال الأمني، والتعاون الاقتصادي، والدبلوماسية الإقليمية الأوسع.
ثالثًا، شجع ظهور عالم متعدد الأقطاب، حيث تلعب قوى عالمية كالصين وروسيا أدوارًا متزايدة التأثير، جهات إقليمية رئيسية كإيران والمملكة العربية السعودية على توطيد علاقاتها. يُمكّن هذا التعاون المتنامي كلا الطرفين من ضمان مصالحهما الوطنية مع الحفاظ على نصيبهما من النفوذ الإقليمي في ظلّ تغيّر التحالفات العالمية.
تنعكس هذه التوجهات في مقابلة حديثة مع سفير إيران لدى المملكة، نشرتها وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية. ونُقل عن السفير، الذي نشرته وكالة أنباء “إرنا” الحكومية، وصفه لزيارة ولي العهد السعودي بأنها “رحلة وطنية وسيادية”. وأضاف أن طهران والرياض قررتا بدء فصل جديد من العلاقات، يتجاوزان ماضٍ شابه التوتر والتباعد، ويتجهان نحو تعاون تآزري.
إن الدعم السعودي العلني للمفاوضات النووية في عُمان ــ إلى جانب التصريحات الإيجابية بشأن الحوار بين إيران والولايات المتحدة من جانب دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى والعراق ــ يُظهِر أن التحول الإقليمي نحو خفض التصعيد والدبلوماسية جار على قدم وساق، ليحل محل النبرة المواجهة في الماضي.