صحيفة الثوري- ثقافة:
د. عبدالصمد الكوري
أصل الحكاية… 3
(فقرات رمضانية مفيدة… ينقلها ويجمعها لكم من مصادرها خلال أيام الشهر الكريم د/ عبد الصمد الكوري)
حق ابن هادي
اعتاد اليمنيون على إطلاق اسم “حق ابن هادي” على المال المدفوع كرشوة لنيل طلب ما أو لتمرير شيء ما غير قانوني.
لكن ما أصل هذه الحكاية؟ ومن هو ابن هادي هذا؟
قصة وحكاية “حق ابن هادي” نرويها:
كما ذكرها شاعرنا الكبير عبد الله البردوني في إحدى الأمسيات الثقافية في نادي الجسرة الثقافي بالدوحة عام 1993…
يقول البردوني: “إن وفدًا إنجليزيًا رغب في مقابلة الإمام في العام 1926 للتفاوض بشأن استيلاء الإنجليز على ميناء الحديدة وسقوط الضالع وعدن بيد الإمام، وكان الإنجليز يرغبون في التخلي عن ميناء الحديدة مقابل تنازل الإمام عن ميناء عدن… إلا أن الإمام رفض التفاوض وأصدر أوامره بعدم السماح لأي وفد إنجليزي بدخول الأراضي التي يسيطر عليها ومقابلته”.
إلا أن الإنجليز أصروا على مقابلة الإمام، فأرسلوا له وفدًا عن طريق تهامة، رغم تعميم الإمام بمنعهم من دخول البلاد.
وصل الوفد الإنجليزي إلى منطقة باجل، وكان هناك شيخ قبلي اسمه هادي من قبيلة الحَضُورة، قابل الوفد الشيخ هادي وطلبوا منه السماح لهم بالمرور، لكنه رفض ذلك.
فما كان من الوفد الإنجليزي إلا أن يعرض الرشوة على الشيخ، الذي استمر في رفضه ومنعهم من العبور.
وكان من بين الحضور شخص قد سمع بقيمة العطية المعروضة على الشيخ هادي، وكانت تقدر بـ 500 روبية، وهو مبلغ كبير حينها.
فانفرد هذا الشخص بالوفد ونصحهم بقوله إن الشيخ هادي يغادر في المساء ويحل محله ابنه، وعليهم التفاوض معه.
بالطبع، قبل ابن هادي العطية من الإنجليز وسمح للوفد بالعبور إلى صنعاء. تفاجأ الإمام بوصول الوفد الإنجليزي إلى صنعاء، بالرغم من تعليماته المشددة بمنعهم من الدخول.
فرفض مقابلتهم، وراح يتحرى ويسأل كيف وصل الوفد الإنجليزي إلى صنعاء.
فأخبروه بأن الوفد دفع الرسوم، وهي “حق ابن هادي”، الذي سمح لهم بالدخول.
من يومها، واليمنيون يطلقون على الرشوة ذلك الاسم “حق ابن هادي”.
ولشاعرنا الكبير البردوني قصيدة رائعة يتطرق فيها إلى “حق ابن هادي”، نقتطف منها الأبيات التالية:
من قصيدته “إلا أنا وبلادي”
يا بلادي! التي يقولون عنها
منك ناري ولي دخان اتّقادي
ذاك حظّي لأن أمي (سعود)
وأبي (مرشد) وخالي (حمادي)
أو لأنّي أطعت أولاد جاري
ورفاقي دفاتري ومدادي
أو لأنّي دفعت عن طهر أختي
وبناتي مكر الذئاب العوادي
أو لأنّي زعمت أن لديهم لي
حقوقًا من قبل حق (ابن هادي)
—
يا بلادي هذه الرّبى والسواقي
في ضلوعي تنهّدات شوادي
إنما من أنا وليس بكفي
مدفع، والتراب بعض امتدادي!
بما كنت فارسًا لست أدري
قبل بدء المجال مات جوادي
العصافير في عروقي جياع
والدّوالي والقمح في كلّ وادي
في حقولي ما في سواها
ولكن باعت الأرض في شراء السماد
صوم مقبول، وذنب مغفور بإذن الله، ويمن ميمون آمن مستقر، خالٍ من “حق ابن هادي”.
المصادر:
فيديو للشاعر عبد الله البردوني في إحدى أمسيات الدوحة الثقافية عام 1993 على يوتيوب.
كتاب “قضايا يمنية” – عبد الله البردوني.
ديوان “لعيني أم بلقيس” – عبد الله البردوني.