“صحيفة الثوري” – ترجمات:
حسين عبدالفتاح
الصعود المدوي للحزب اليميني في ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، جاء بعد صعود مماثل في معظم الدول الأوروبية، حيث وصل اليمين إلى الحكم في كل من إيطاليا والنمسا.
وتزامن هذا الصعود مع توجه مماثل في الولايات المتحدة، حيث فاز دونالد ترامب بالرئاسة في 2016، متحديًا المؤسسات الأميركية ومعظم التحليلات السياسية، ثم فاز بولاية ثانية في 2024.
وسارع ترامب إلى الإشادة بنتائج الانتخابات الألمانية واصفا يوم الأحد باعتباره “يومًا عظيمًا لألمانيا”، مضيفا في منشور على منصته للتواصل الاجتماعي تروث سوشيال: “مثل الولايات المتحدة، سئم الشعب الألماني من أجندة تفتقد المنطق السليم، وخاصة فيما يتعلق بالطاقة والهجرة. هذا يوم عظيم لألمانيا”.
وعلى الرغم من أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وهو حزب محافظ ينتمي إلى اليمين الوسط، فاز بالمركز الأول في الانتخابات متفوقًا على “البديل”، فإن صعود أقصى اليمين في ألمانيا، وهي بلد عانى لعقود من تداعيات الحكم النازي المتطرف، يمثل زلزالًا سياسيًا.
“التحذير الأخير”
وصف زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والمستشار الألماني الجديد، فريدريش ميرتس، صعود شعبية حزب “البديل” اليميني المتطرف بأنه “التحذير الأخير” للأحزاب الرئيسية في البلاد.
وقال ميرتس: “هذا هو التحذير الأخير للأحزاب السياسية في الوسط الديمقراطي في ألمانيا للتوصل إلى حلول مشتركة”.
وحصل حزب “البديل من أجل ألمانيا” على المركز الثاني بنسبة 21% من الأصوات، خلف تحالف الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي المحافظ الذي تصدر الانتخابات بنسبة 28.6%.
أما الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي اعتذر مستشاره المنتهية ولايته، أولاف شولتس، عن “الهزيمة المريرة”، فقد حصل على 16.4% من الأصوات مقارنة مع 25.7% في عام 2021.
وترى زعيمة “البديل”، أليس فايدل، أن حزبها أصبح “في أفضل وضع ممكن” لتجاوز حزب ميرتس المحافظ “خلال السنوات الأربع المقبلة ليصبح بالتالي الحزب الأول الحاكم لألمانيا”، معتبرة أن ذلك “سيمهد لتفويض الحزب للحكم بعد الانتخابات التشريعية المقبلة في 2029”.
استهداف المهاجرين
تشكل الحملة ضد المهاجرين أولوية لدى حزب “البديل من أجل ألمانيا”، الذي جاء فوزه بعد سلسلة من حوادث القتل التي اتُهم فيها مهاجرون.
ويظهر توجه ألمانيا نحو اليمين بوضوح في تصويت الناخبين الأصغر سنًا، حيث منح 21% منهم أصواتهم للحزب اليميني المتطرف، ما يشير إلى تصاعد النزعة المعادية للمهاجرين.
ويُدرك ميرتس هذا التحول جيدًا، لذا وعد بشن حملة صارمة على الهجرة وتطبيق “عدم التسامح مطلقًا” مع أي تهديد للنظام والقانون، سعيًا لاستعادة الناخبين الذين يتحولون نحو اليمين المتطرف.
وعلى الجانب الآخر من الأطلسي، كان دونالد ترامب أيضًا صارمًا في سياساته المناهضة للهجرة، إذ أوقف طلبات اللجوء للولايات المتحدة وأمر بترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين في أكبر حملة من نوعها على الإطلاق.
أسوأ السيناريوهات
يأتي فوز ميرتس المحافظ في وقت تواجه فيه أوروبا أكبر تحدٍ منذ الحرب العالمية الثانية، مع تدهور العلاقات مع الحلفاء التاريخيين في الولايات المتحدة، خصوصًا مع توعد ترامب برفع الدعم عن أوكرانيا وتبني سياسة أكثر تقاربًا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ولطالما انتقد ترامب الدول الأوروبية، متهمًا إياها بمعاملة “ظالمة” للولايات المتحدة تجاريًا، وعدم سداد “مقابل” للحماية الأميركية من التهديدات الروسية.
وقال ميرتس عقب فوز حزبه في الانتخابات: “كل المؤشرات التي تلقيناها من الولايات المتحدة تدل على تضاؤل الاهتمام بأوروبا بشكل ملحوظ”.
ودعا إلى الاستعداد لأسوأ السيناريوهات إذا ما كانت الغلبة في الولايات المتحدة لأولئك الذين لا ينادون فحسب بـ ‘أميركا أولًا’، بل بـ ‘أميركا وحدها تقريبًا'”، محذرًا من “وضع صعب” في هذه الحالة.
وشدد على أن الأوروبيين “يجب أن ينظموا بسرعة قدراتهم الدفاعية، وهي مسألة ستكتسب أهمية قصوى في الأسابيع المقبلة”.
ويسعى ميرتس للإسراع في تشكيل الحكومة الألمانية الجديدة، عبر التحالف مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي الخاسر، كي يتسنى لبرلين التحرك مجددًا على الساحة الأوروبية والدولية بعد أشهر من الجمود عقب انهيار الائتلاف الحكومي بقيادة شولتز في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
تحديات اقتصادية
أغلق مؤشر DAX الألماني على ارتفاع بنسبة 0.60% في أول تداولات بعد الانتخابات، التي شهدت صعود المحافظين واليمين المتطرف.
وجاء الارتفاع بقيادة راينميتال الدفاعية الألمانية، التي صعد سهمها بنسبة 6.4%، مستفيدة من قرار ألمانيا رفع إنفاقها العسكري إلى 2% من الناتج القومي الإجمالي في 2024، في أكبر ميزانية دفاعية منذ الحرب العالمية الثانية.
وكان وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، قد دعا الشهر الماضي إلى رفع الإنفاق العسكري إلى 3.5%، وهو الاقتراح الذي رفضه المستشار السابق شولتز.
وفي تداولات الاثنين، ارتفع أيضًا سهم RWEG للطاقة بنسبة 3.8%، وكومرزبنك بنسبة 2.8%.
ورغم تصدر الملفات السياسية والهجرة للانتخابات، يأتي الاقتصاد أيضًا ضمن أبرز التحديات التي تواجه الإدارة الجديدة بقيادة ميرتس، إذ تعاني ألمانيا، ثالث أكبر اقتصاد عالمي، من تباطؤ اقتصادي حاد منذ 2021.
وخفضت الحكومة الألمانية توقعاتها لنمو الاقتصاد في 2025 إلى 0.3% فقط، بعد عامين من الانكماش، وهو معدل أقل بكثير من التوقعات السابقة البالغة 1.1% في أكتوبر/تشرين الأول.
وتواجه ألمانيا تحديات هيكلية كبرى، إذ تراجع إنتاجها الصناعي والصادرات للعام الثاني على التوالي، خصوصًا بسبب ضعف الطلب من الصين، أحد أكبر أسواقها.
(فوربس)