(صحيفة الثوري) – كتابات
أ. حمود جميل
منذ بداية تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، كانت تصريحاته علنية وصريحة، خاصة فيما يتعلق بالدول العربية، وعلى وجه الخصوص بخصوص غزة. وكان آخرها مقترحاته لتهجير أبناء غزة إلى دول عربية مجاورة، بالإضافة إلى تصريحه حول شراء قطاع غزة تحت ذريعة إعادة بنائه وإعماره.
هذه التصريحات لم تكن قابلة للاستيعاب أو الفهم بسهولة، ولم يجرؤ أحد على قولها بهذا الشكل الاستفزازي والصريح سوى ترامب. فمنذ رئاسته الأولى، اعتدنا على أنه يصرح بما يخفيه الكثير من القادة.
ورغم اختلافي ورفضي لما صرح به بشأن غزة وتهجير سكانها، فإن هذه التصريحات، وما حملته من استفزازات وتهديدات للدول العربية، كانت ضرورية في ظل صمت معظم هذه الدول خلال حرب استمرت أكثر من عام ونصف على قطاع غزة، دون أن يكون لها أي دور أو دعم أو موقف سوى المشاهدة. بل إن بعض الدول استغلت حرب غزة لتحقيق مصالحها الخاصة وأجندات خارجية.
تصريحات ترامب وضعت الجميع أمام الأمر الواقع، وجعلت حتى الدول الصامتة والداعمة تشعر بالخطر، ليس فقط على غزة، بل على المنطقة بأكملها. ولهذا، رأينا المواقف العربية الموحدة التي عبر عنها العديد من القادة العرب برفض قاطع لمقترحات ترامب بشأن التهجير، وكان من أبرز هذه المواقف موقف السعودية والأردن ومصر، التي تعتبر الدول المجاورة لفلسطين، والتي اقترح ترامب نقل سكان غزة إليها.
أما من يصف ترامب بالمجنون، فهو ليس كذلك. بل إنه عقلية تجارية بحتة، يتعامل مع جميع القضايا من منظور المصالح الاقتصادية أولًا، ثم مصالح أمريكا. وتصريحاته بشأن غزة وتهجير سكانها لم تكن فقط دعمًا لإسرائيل كما يعتقد البعض. نعم، أعطت تصريحاته لنتنياهو دعمًا وتحفيزًا، لكنها تضمنت شروطًا أخرى ذات طبيعة تجارية، حيث أراد ترامب أن يكون شريكًا استثماريًا في إعادة بناء غزة من خلال مشاريع تجارية وسياحية، وليس مجرد داعم مالي. وكان هذا الشرط مطروحًا أيضًا على المفاوضين العرب، لكنه لم يكن مقبولًا لدى إسرائيل، التي لا ترغب في إعادة إحياء غزة.
تصريحات ترامب لا تأتي من فراغ، وهذا ما يجب أن نفهمه جميعًا. وكما يقول المثل: “رب ضارة نافعة”، فقد أيقظت هذه التصريحات الجميع وأظهرت قوة مواقف بعض الدول العربية عالميًا، كما تابعنا في مواقف السعودية والأردن ومصر. وهذا يستدعي من الدول العربية الوقوف مع هذه الدول صفًا واحدًا والخروج بقرار موحد، وهو ما نتطلع إليه في الاجتماع القادم لجامعة الدول العربية، هذه المؤسسة التي لم نرَ لها موقفًا جادًا منذ سنوات عديدة.
فهل ستدخل الجامعة العربية التاريخ مرة أخرى في هذا الاجتماع القادم بقرارات ومواقف عربية حقيقية؟
في الختام هذا رأيي الشخصي وما طرحته سابقًا:
غزة والمقاومة قلبتا الموازين، ليس فقط على مستوى الدول العربية، بل على مستوى العالم أجمع. وأظهرت الحرب على غزة مواقف كل دولة، حكامًا وشعوبًا.
تحية نضال وصمود لأبناء فلسطين عامةً، وأبناء غزة خاصةً.
* حمود جميل عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني