آخر الأخبار

spot_img

آثار ازدواجية السياسات على الوضع الاقتصادي والإنساني في اليمن

(صحيفة الثوري ) – كتابات :

أ.د. محمد علي قحطان (القحطاني)

مع انقسام الجغرافيا السياسية لليمن بين شكلين للسلطة: أحدهما وليدة انقلاب سبتمبر 2014 وما تلاه من الأحداث بعد استيلاء قادة الانقلاب على العاصمة صنعاء واعتبارها مركزًا لهم، تسيطر على نسبة من ديموغرافيا اليمن. إذ تقدر ما تسيطر عليه من الجغرافيا السكانية بنسبة 21% من إجمالي مساحة اليمن ونسبة 65% من إجمالي السكان، حسب آخر إحصائيات قمنا بتحليلها.

والأخرى، السلطة التي احتفظت بشرعيتها بدعم من التحالف العربي الداعم للشرعية بقيادة السعودية والإمارات، واتخذت من عدن عاصمة مؤقتة لها وتسيطر على نسبة حوالي 79% من إجمالي مساحة اليمن ونسبة 35% من إجمالي السكان.

هذا الانقسام أخذ يتوسع بأشكال مختلفة شملت مختلف مؤسسات الدولة السياسية والتنفيذية والتشريعية والاستشارية والقضائية، وبرزت مساوئ هذا الانقسام بصورة حادة على الوضع الاقتصادي والإنساني، وأدى إلى أن تصبح اليمن حسب التصنيفات الدولية منهارة، وتُعتبر الأسوأ في الوضع الاقتصادي والإنساني على مستوى العالم. حيث تصاعدت نسب البطالة والفقر بصورة حادة للغاية. إذ تقدر نسبة البطالة بما يصل إلى 80% ونسبة الفقر 90%، واشتدت الحاجة للمساعدات الإنسانية، والوضع الإنساني ينحدر نحو حالة المجاعة. فنسبة عالية من السكان يعيشون على المساعدات الإنسانية وما يُجمع من المال بوسائل التسول في شوارع المدن والطرقات وأبواب دور العبادة والمطاعم، وصولًا إلى البحث عن بقايا الطعام في براميل القمامة، وتشغيل الأطفال واستغلالهم، وغيرها من الانحرافات الاجتماعية كالنهب والسرقات… وغيرها.

وبرأينا أن أهم قضايا الانقسام في السياسات والمؤثرة بحدة على الجانب الاقتصادي والإنساني تتعلق بعدة قضايا، منها: انقسام العملة الوطنية، ازدواجية الرسوم الجمركية، وازدواجية وثائق الهوية الشخصية… وغيرها. ويمكننا في هذه المقالة إيضاح مدى تأثير انقسام العملة الوطنية والطريقة المناسبة لمواجهته، على النحو الآتي:

انقسام العملة الوطنية لطبعتين (قديمة وجديدة) يؤدي إلى الكثير من المشاكل والمعوقات الاقتصادية والإنسانية. إذ إن الأسرة اليمنية والأنشطة الاقتصادية موزعة في مناطق نفوذ سلطتين، كل منهما يعمل بسياسات مختلفة. فانقسام العملة الوطنية وتباين السياسة النقدية وسعر الصرف يزيدان من التدهور الاقتصادي، ويصعب معهما مواجهة التدهور والانهيار الاقتصادي والإنساني. ومن الآثار السلبية المؤثرة، يمكن ملاحظتها وتفسيرها على النحو الآتي:

أولًا: يُعمل في صنعاء والمناطق التابعة لها بسياسة تثبيت سعر الصرف عند مستوى 530 ريالًا يمنيًّا تقريبًا بالطبعة القديمة مقابل الدولار الواحد، وحوالي 140 ريالًا يمنيًّا تقريبًا مقابل الريال السعودي. بينما يُعمل في عدن والمناطق التابعة لها بسياسة تعويم سعر الصرف، في ظل انهيار الجهازين المالي والمصرفي وغياب مؤسسات الدولة، الأمر الذي يؤدي إلى انفلات سعر الصرف وشدة المضاربة والتذبذب وارتفاع شديد، مما أفقد الريال اليمني بطبعته الجديدة كامل قيمته تقريبًا بالمقارنة مع قيمته الشرائية في عام 2014، قبل الحرب القائمة. وبالتالي، تأكلت قيمة الدخل، وأصبح موظفو الدولة في مختلف القطاعات عاجزين عن مواجهة متطلبات الحياة اليومية، والخروج إلى الشارع بمظاهرات عارمة تندد بانهيار سعر الصرف وتصاعد أسعار السلع والخدمات وانهيار الوضع الاقتصادي والإنساني، مع غياب أي أثر عملي للمواجهة من قبل الحكومة ومؤسسات الدولة المركزية والمحلية.

ثانيًا: عند تحويل أي مبلغ نقدي من مناطق الشرعية إلى المناطق الأخرى الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، فإن الحوالة تفقد من قيمتها نسبة تتجاوز 77%. فمثلًا، تحويل 100 ألف ريال بالطبعة الجديدة من عدن إلى صنعاء أو من مدينة تعز إلى منطقة الحوبان الواقعة تحت سيطرة الحوثيين يتم بمبلغ يقل عن 23 ألف ريال بالطبعة القديمة. الأمر الذي أدى إلى انحدار أفراد الأسرة إلى مستويات ما تحت الفقر، وخلق ظروف استثمارية طاردة، وبالتالي ارتفعت معدلات التضخم والركود الاقتصادي والهجرة للقوى العاملة اليمنية ورجال المال والأعمال، وبالتالي استيطان رأس المال اليمني في دول أخرى عديدة، كالسعودية ومصر وتركيا وماليزيا وإثيوبيا وجيبوتي… وغيرها.

والأكثر من ذلك، اندفاع الشباب اليمني إلى الهجرة غير الرسمية تحت ظروف خطرة للغاية، والتوجه للانضمام إلى التكتلات العسكرية المأجورة من قبل دول الإقليم، وكذلك ارتفاع معدلات الانحرافات الاجتماعية كالنهب والسرقات والفساد داخل أجهزة الدولة بصورة فاحشة يصعب مواجهتها مع استمرار التدهور الاقتصادي والإنساني.

وبناءً على ذلك، نوصي لمواجهة التدهور في سعر الصرف، بالعمل بالآتي:

فتح نوافذ صرافة للعملات الأجنبية في البنوك الحكومية الثلاثة (البنك المركزي، البنك الأهلي، وكاك بنك). ويمكن تغذية هذه النوافذ من المنح السعودية، وعوائد المغتربين اليمنيين، والمساعدات الدولية، وما يمكن توفيره من عوائد للدولة من مصادرها المختلفة، والقروض الميسرة ما أمكن، بحيث يتم مواجهة انفلات السوق النقدية والسيطرة عليه من خلال اتباع ما يلي:

1. إعلان سقف أعلى لسعر صرف الدولار الأمريكي والريال السعودي، عند مستوى:

2000 ريال يمني للدولار الواحد.

500 ريال يمني مقابل الريال السعودي.

2. عمل خطة لتعافي قيمة الريال اليمني بطبعته الجديدة تتضمن تخفيض نسبة 20% شهريًّا من سعر الصرف للريال السعودي والدولار الأمريكي، بحيث تتم مواجهة طلبات السوق النقدية عبر نوافذ للصرافة في البنوك الحكومية الثلاثة المذكورة سابقًا، حتى يستعيد الريال اليمني عافيته.

3. اعتبار تنفيذ هذه السياسة مهمة تتضافر فيها كافة أجهزة الدولة الاقتصادية، في مقدمتها البنك المركزي، وكذا الأجهزة الأمنية، وبالأخص الأمن القومي والأجهزة العدلية، بحيث تواجه أي مخالفات أو تهريب أو مضاربة بصرامة. وبهذا الخصوص، يمكن تفعيل دائرة الأمن الاقتصادي في جهاز الأمن القومي ليتولى قيادة المواجهة.

وباعتقادنا، فإن العمل بهذه السياسة سيؤدي إلى مواجهة انقسام العملة الوطنية وتراجع انهيار سعر الصرف للريال اليمني وتعافيه، بحيث يستعيد أصحاب الدخول المحدودة، ومنهم موظفو الدولة، القيمة الشرائية لدخلهم، الأمر الذي يعفي الحكومة من الاستجابة لضغط الشارع والعمل بسياسات تضخمية خاطئة تعمق ظواهر الانقسام والتضخم والركود الاقتصادي، وفي الوقت ذاته تحقيق تحسن سريع للوضع الاقتصادي والإنساني.