(صحيفة الثوري) – كتابات :
د. عمر العودي
للإجابة على هذا السؤال يجب أن نجيب على سؤال آخر هو: كيف تستعيد النخب السياسية اليمنية الثقة فيما بينها؟ لا سيما أن عقودًا من تاريخ اليمن بعد الثورتين المجيدتين قد صاحبتها العديد من الممارسات للسلطات المتعاقبة، تجلت في قمع المعارضة السياسية وامتلأت سجون الأمن الوطني بالمعارضين، وتعرض الكثير من رموز الحركة الوطنية اليمنية للتصفيات الجسدية والإخفاء القسري. وكان الضحايا بعشرات الآلاف، إضافة إلى ما حدث من انقلابات على التوافقات الوطنية، ابتداء بالانقلاب على وثيقة العهد والاتفاق الموقعة في الأردن، وما رافقها وتبعها من عمليات الاغتيالات الممنهجة لكوادر شريك الوحدة، وآخرها الانقلاب على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، واستمرار نهج السلطات القمعي للرأي المختلف بشتى السبل، منها اللجوء إلى ممارسة الاغتيالات السياسية، مما أصاب المجتمع اليمني في مقتل من خلال ضرب الثقة بالسلطات النافذة من قبل المجتمع اليمني، ومن قبل الشركاء السياسيين، وجعل المناخ السياسي مكتظًا بالشكوك والريبة. وافتقدت القوى السياسية بسبب ذلك القدرة على بناء تحالفات وطنية حقيقية تحافظ على الوطن ومكاسب ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين.
إن أي تحالفات وطنية تهدف إلى تحقيق اصطفاف وطني حقيقي يصون الوطن ويصون كرامة وحقوق أبناء الشعب اليمني وسيادته وحريته لن يتأتى إلا من خلال استعادة وبناء الثقة بين كافة النخب السياسية. وهذا يبدأ بالاعتراف بالأخطاء والاعتذار عما ارتُكب في الفترة الماضية، وتبني قانون العدالة الانتقالية بقناعة حقيقية وبدون أي التفاف عليه. وإبداء حسن النية من خلال الإفصاح عن مصير عشرات الآلاف المخفيين قسريًا وسجناء الرأي على مدى يزيد عن خمسة عقود مضت، إضافة إلى التخلي عن أي عصبيات أو ولاءات للأشخاص أو الأحزاب أو الطوائف والمذاهب. وإعطاء الأولوية للولاء للوطن بعد الله قبل كل الولاءات. وأن يستشعر الجميع المخاطر والمصير المجهول الذي تتجه إليه اليمن بسبب هيمنة المشاريع الضيقة على المشروع الوطني. واستغلال ذلك من قبل مراكز النفوذ الإقليمية والدولية للسيطرة على مناطق اليمن ونهب الثروات السيادية واستلاب القرار السيادي السياسي الوطني. وأن يستشعر الجميع أيضًا مسؤولية وطنية وأخلاقية تاريخية من أجل بناء دولة مدنية اتحادية حديثة وفقًا لما توافق عليه في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وحماية الدستور. إن هذا يشكل طوق النجاة لليمن والشعب اليمني، وسيكون من الشجاعة والبطولة أن يتحقق السلام وتنتهي الحرب بإرادة يمنية صادقة بعيدًا عن التدخلات الخارجية.