“صحيفة الثوري” – في الذاكرة:
فوزي العريقي
تم اختطافه أثناء حرب صیف 1994م، في مدینة تعز، حيث کان یسکن في المدینة، من قبل عناصر الجهاز المرکزي للأمن السیاسي، ولم یتم الافصاح عن مصیره حتی الآن٠
کان لي تواصل مع الرفیق عبدالجبار عبدالله سعید، والذي ربطته علاقة رفاقیة مع الرفیق المخفي قسرا، منذ ما قبل الوحدة، وابدی استعداده لکتابة سیرته ونضاله في صفوف الحزب الدیمقراطي الثوري الیمني، ثم في حزب الوحدة الشعبیة الیمني، والحزب الاشتراکي الیمني بعد اعلان الوحدة الیمنیة في 1990/5/22م٠
وقد قام بکتابة هذه السیرة بعد التشاور مع رفاق المخفي قسریا، واستعادة الاحداث والوقائع، فله خالص الشکر والتقدیر٠
المخفي قسراً المناضل عبده علي محمد الصغير الصلوي الملقب (التعزي) منذ حرب صيف 1994م
* ولد الرفيق عبده علي محمد الصغير الملقب ( التعزي) في نهاية خمسينيات القرن العشرين ( عام 1958م على الأرجح)، في قرية المكوي، عزلة الوُدُر، مديرية الصلو، لواء تعز. وينحدر من أسرة فلاحية فقيرة، توفي أباه وأمه لا تزال على قيد الحياة، وله (سته) إخوة (أربعة) ذكور و(اثنتان) إناث هو أكبرهم، وقد نشأ وتربي في قريتهِ، وهو متزوج وله ولد واحد (فهمي) وخمس بنات.
* بدأ حياته العملية والمهنية في بداية سبعينات القرن الماضي بالعمل في مطعم خاله عبدالله ثابت الجرافي، في مدينة الراهدة، التي انتقل إليها من القرية حينها، وبعد فترة عند افتتاح خاله لمطعم آخر في صنعاء، انتقل هو للعمل معه هناك، وقد استمر يعمل في مطاعم ومخبازات متعددة في صنعاء كطباخ ماهر، وأثناء عمله في صنعاء نقل عائلته (الزوجة والاطفال) للسكن معه.
لعدم تمكنه من مواصلة التعليم، بعد نيله لقسط بسيط من القراءة والكتابة الأولية في معلامة القرية، التحق عند أول فرصة للدراسة مع أول مجموعة طلاب من مدرسة الوحدة الابتدائية في القرية عام 1978م، مع الذين التحقوا ضمن الصف السادس بالإنتساب (منازل)، في مدرسة الشهيد عبدالرحمن مهيوب في العُرين- عُزلة الأعروق للعام الدراسي 1978 /1979 لإمتحان الشهادة الابتدائية، حيث كان الرفيق عبد الجبار عبدالله سعيد يقوم بالتدريس في تلك المدرسة، وهو من كسبه وأطره حزبيا.
التحق بالنضال الوطني التقدمي أثناء زخم العمل التعاوني وإنشاء مدرسة الوحدة في القرية، حيث عمل الشباب المنظمين حزبيا من ابناء القرية بنشاط بين أوساط العمال والفلاحين والطلبة، لكسبهم وتأطيرهم حزبياً وتعليمهم ومحو اميتهم .. وكان الرفيق المخفي أحد المستهدفين، حيث تم تأطيره عام 1977م، كنصير عمالي، وبعدها عضوا في الحزب الديمقراطي الثوري اليمني (حدثي)، ثم نقل ورتب وضعه الحزبي في منظمة صنعاء، وكان يحمل الاسم التنظيمي ( فهمي).
بسبب نشاطه السياسي المتحمس بين أوساط العمال أينما كان يتواجد، وتنظيمه للعديد منهم فيما بعد لحزب الوحدة الشعبية اليمني (حوشي)، كانت عيون الأمن الوطني ترقبه؛ وتعرض للمضايقة، مما اضطره للانتقال للعمل في مدينة ذمار وظل فيما بعد متنقلا بين المدينتين (صنعا وذمار)، خاصة بعد اعتقال رفاق له، وعرف بتعاونه ومساعدته لرفاقه واخلاصه وعشقه للحزب وتفانيه وتضحيته اللامحدودين من أجل قضايا الشعب والوطن في الحربة والعدل والتقدم والسيادة.
فعندما حصلت الاعتقالات في صنعاء منتصف 1979م في (يونيو أو أغسطس) كان قد اعتقل أحد رفاقه.. وأثناء التحقيق معه من ضباط الأمن، وتعذيبه مما ادی الی قلع عينه فاعترف به، ومن حينه بدأت المطاردة والمضايقة له، بحسب قول العزعزي* الذي كان يعمل معه، والذي كان أيضا معه مطعم بالحديدة، وبسبب ذلك تأثر الرفیق المخفي، صحياً، واصیب بحالة نفسية، ظلت ترافق حياته فيما بعد وهو متنقلا للعمل والنضال ببن مدن ذمار وصنعاء وتعز ولم يولَ أي رعاية أو اهتمام رفاقي حزبي أو اجتماعي شخصي وأسري لحالته تلك.
في نهاية عام 1980م عاد مرة أخرى للعمل في صنعاء، واستمر حتى 1981م، ورتب وضعة الحزبي فيها مجددا.. وكان مندفعا بالدعاية للحزب من طراز جديد،حينها وهو مواصلا العمل.
وجمعت المخفي بالرفيق عبده محمد علي في صنعاء أوضاع حزبيه وأطر تنظيمية خلال عامي 1981 و1982 ولفترات متقطعة، وكانا يلتقيان ويفترقان تنظيميا حسب الظروف والمتغيرات حينها، وفي كثير من الأحيان كان يستخدم سكنه العائلي لتخزين الكتب والمواد الحزبية، يذكر منها حالة أو حادثة: أنه كان على علاقه حزبيه مع الرفيق مصطفى بهران، وابلغا بضرورة البحث عن بيت للإيجار تكون باسم شخص غير معروف لغرض نقل كتب ووثائق حزبية و الحفظ فیها، مع استخدامها للقاءات السرية والتخفي … وقاما باستئجار البيت، في حارة خلفية لشارع تعز بناء على طلبه وكانوا يلتقوا فيها عند الحاجه ولم يسكن فيها أحد، ونقلت إلى البيت مجموعة كراتين كتب ومجلات.. إلخ، وعند اعتقال الرفيق مصطفى بهران من قبل الأمن الوطني ابلغوا بذلك، وتم تفريغ البيت من كل محتوياتها الى أماكن أخرى وجزء منها الى منزل الرفيق المخفي، الذي كان يقع خلف مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، خوفا من أي اعترافات تقود الی البيت السري من قبل الرفيق مصطفى, ولكنه لم يعترف بها، وبعد خروجه من المعتقل تواصل معهم وأخذ الکتب المواد التي كانت في البيت.
* بعد اعتقالات تعز عام 1981م، تم الاعتراف به وتحرك للعمل في ذمار، وبقى فيها خلال الاعوام 1981/ 1983م، حيث تحمل الرفيق محمد علي عبده ( صقر)، المسؤولية الحزبية التنظيمية للرفيق المخفي بعد انتقاله إلى ذمار في تلك الفترة، ضمن وضع حزبي مع رفاق آخرين له هناك مكون من الاعضاء: عبدالحميد غالب قايد وعبدالكريم أحمد عبده، ودرهم الصانع وأخيه (من الأعروق) ومنهم أصحاب ورش لحام في ذمار. ثم أمر بالتوجه للعمل في الحديدة، ولكن کشف أمره هناك، واضطر للعودة مجددا إلى ذمار ومنها توجه للعمل في منطقة الحدأ بذمار، إلى أن عاد إلي منطقته – القرية- وهو مطاردا بعد أحداث يناير 1986م٠
– وعند تعرض منظمة الحزب في صنعاء لضربات الاعتقالات والمطاردات خلال عامي 1982 / 1983م، غادر وقتها الرفيق المخفي صنعاء إلى ذمار هربا من الاعتقال بحكم أن صهيره الرفيق عبد الكريم كان معه ورشة لحام هناك، وكذا بعض الرفاق الأخرين من العاملين وأصحاب الورش، يبدو أن المخفي عمل عندهم حتى تعلم مهنة اللحام لفترة غير معروفة، بعدها انتقل لمنطقة الحدأ للعمل هناك کفني لحام بإحدی الورش لفترة.
كان المخفي لديه قلق نفسي مستمر من الجانب الأمني وكل ما استقر بمنطقة شك أنه أصبح مشكوكا به ومكشوفا بأنه حزبي غادرها إلى منطقة أخرى، وهكذا عاش ملاحقا باستمرار، وبتنقله بشکل مستمر وعدم استقراره بسبب المخاوف الأمنية، وهذا ضاعف من تأثره الصحي نفسيا وعصبيا، مما جعله غير قادر على العمل، وبقي في القرية يعاني ايضا من العوز المادي.. ورغم الجهود المبذولة من قبل إخوانه وأسرته لمحاولة علاجه ولكنهم لم يتمكنوا لعدم قدرتهم المادية.
*بعد احداث يناير 1986م في الجنوب استمرت وزادت ايضا متابعته ومضايقته من جانب العناصر الأمنية والإسلامية المتشددة والمتطرفة، وتوترت معها حالته الصحية، حتى أنه شعر بالهلوسة نتيجة ذلك، إلى جانب تأثير ما كان يعانيه وابقائه دون معالجة.
بقي حتى وهو في حالته المتعبة حاملاً هم وقضية الحزب، واختفاء مٶسس الحزب الاشتراکي الیمني عبدالفتاح اسماعیل، والنضال الوطني الديمقراطي، وكان شغله الشاغل أينما حل، تجده يحدثك عنه وعن الحزب والمناضلين وعن الجبهة الوطنية الديمقراطية، وعن جرائم نظام صالح… الخ.
*بعد قيام الوحدة بتاريخ 22/5/1990م ومع ازدهار العمل الحزبي وفتح مقرات الحزب الاشتراكي اليمني في مدينة تعز، وجد المخفي ضالته المنشودة وانتقل للعيش هناك وكان يأكل وينام لدى البعض من أصحاب المحلات من ابناء القرية ويداوم على الخروج والتجول في الشوارع وهو يحمل علم الحزب على رأسه ويديه وصورة فتاح… ويهتف بشعارات الحزب وبكلمات من أقوال فتاح وبعبارات ثورية ومعاديه لنظام صالح القمعي … وكان يتردد بشكل شبه يومي على مقر الحزب، بذلك كان بمثابة لإعلامي المتنقل للحزب والمتفرغ المتجول متحرراً من الخوف ولا يحسب العواقب لعمله الدعائي والإعلامي.
وباندلاع الحرب القذرة والظالمة بإعلان27/4/1994م من قبل صالح والزنداني ضد الجنوب والحزب الاشتراكي نزح المخفي من مدينة تعز كالكثير إلى القرية، حيث كان فيها للمرة الأخيرة، وخلال الحرب مباشرة (نهاية مايو أو بداية يونيو 1994) تعرض هذا الرفيق المناضل للإختطاف والاخفاء القسري من مدينة تعز في منطقة الشماسي جولة حوض الأشرف، من أمام بوفية الأخ محمد عبدالله بازل الصلوي، بحسب افادة الاخ عبدالله عبده سعيد الصلوي، الذي كان حاضرا هناك وقت الاختطاف، والذي أفاد بوصول سيارة جيب طربال إلى أمام البوفيه المذكورة في فترة ما بعد الظهر ونز ل منها اثنين عسكر بلباس الزي العسكري وقبضوا علی المخفي عبده علي محمد، ودفعوا به الی السيارة، وذهبوا به إلى مكان مجهول، ويعتقد أنهم من جهاز الأمن السياسي .. على الأغلب، ومن حينها لم يظهر له أثر ولم تتمكن أسرته من الحصول على أي معلومات عن مصيره المجهول حتى الآن رغم محاولة البحث عن المخفي ظلما وقسرا خلال هذه السنوات الطوال.
أعدت هذه المادة في 2020/7/18،17 بمشاركة رفاق المخفي: عبد الجبار عبدالله سعيد، وعبده محمد علي ومحمد علي عبده وأخيه طاهرعلي محمد.
* المقصود هو الرفيق عبدالله سلطان، الذي اعتقل في أواخر عام 1982م.
ويخص بالنشر المناسب للمادة الرفيق فوزي العريقي لإهتمامه وتخصصه في المتابعة والتوثيق لسير وقضايا المناضلين الراحلین والمخفیین منهم تحديدا.
#كتابات_جديدة
2020/7/21م
من صحفة الكاتب في فيسبوك