آخر الأخبار

spot_img

وقف إطلاق النار في غزة… هل من ضمانات قانونية دولية لتنفيذ البنود الغامضة؟

“صحيفة الثوري” – كتابات:

حسين الديك

بعد نحو خمسة عشر شهراً من حرب الإبادة على قطاع غزّة، جاءت اللحظة التي انتظرها الغزّيون والفلسطينيون ومناصروهم في العالم؛ لحظة التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، بوساطة قطرية ومصرية وأمريكية.

لكن لدى تعثّر التوقيع، لأكثر من 24 ساعةً، بعد إعلان الدوحة عن التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، تكشفت خلافات جوهرية، ونقاشات سرّية داخل الحكومة الإسرائيلية، وشكوك حول جدّية رئيس الوزراء الإسرائيلي في تنفيذ الاتفاق بكل مراحله وتفاصيله، خاصةً إثر تهديدات وزيريه المتطرفين سموتريتش وبن غفير، وتلويح الأخير بالاستقالة حال موافقة الحكومة على صفقة تبادل الأسرى مع حماس.

كذلك، تُثار في كواليس الاتفاق، أسئلة حول الضمانات القانونية للتنفيذ، ومدى قوة هذا الاتفاق، كونه لم يُوقّع بين دول، بل بين دولة و”فصيل” أو “حركة تحرر وطني”، تصنّفها جهات دولية ودول على رأسها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، حركةً إرهابيةً.

أسئلة بدت معها سيناريوهات التعطيل والتهرّب والخروق وربّما عودة الحرب، خاصةً في المرحلة الثانية لتطبيق الاتفاق، على قدر ما من الواقعية. فمن الناحية القانونية، تنظم اتفاقيات وقف إطلاق النار أو الهدن قواعد مستمدة من اتفاقيات جنيف، التي تُعنى بتحديد مسؤوليات الأطراف المتنازعة في حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية. وتُعدّ الأمم المتحدة لاعباً أساسياً في هذا المجال، إذ تشرف في كثير من الأحيان على مراقبة التزام الأطراف ببنود الاتفاق عبر قوات حفظ السلام. كما أنّ الفصائل المسلحة التي تشارك في هذه الاتفاقيات تُعامَل كجهات فاعلة من غير الدول، ولكنها ملزمة بالقانون الدولي الإنساني، خاصةً المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف.

التبعات القانونية لعدم الإلتزام

استناداً إلى المادة رقم 1 من معاهدة فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969، والتي حددت نطاق تطبيق الاتفاقية، فإنّ هذه المعاهدة كما نصّت المادة (تطبّق هذه الاتفاقية على المعاهدات بين الدول)، وكما عرّفت المادة رقم 2 من الاتفاقية نفسها المعاهدة بأنّها “الاتفاق الدولي المعقود بين الدول في صيغة مكتوبة والذي ينظمه القانون الدولي”، وأوضحت المادة رقم 3، الاتفاقات الدولية غير الداخلة في نطاق هذه المعاهدة إذ نصّت على “عدم سريان هذه الاتفاقية على الاتفاقات الدولية التي تُعقد بين الدول والأشخاص الأخرى للقانون الدولي أو بين الأشخاص الأخرى مع بعضها البعض”.

أستاذ قانون دولي: “لا ينطبق على هذا الاتفاق شرط المعاهدة الدولية، لأنه مبرم بين دولة وحركة ليست دولة. وهذا يجعل الباب مشرعًا أمام عدم تطبيق الاتفاق والانسحاب منه في أي لحظة من قبل أي طرف من الأطراف الموقعة عليه، حماس، وإسرائيل”

يقول أستاذ القانون الدولي في جامعة القدس منير نسيبة، لموقع رصيف22: “من حيث المبدأ، المعاهدات الدولية التي تتخذ صفة الإلزامية الكاملة هي المعاهدات الموقعة بين الدول، بينما الاتفاقيات الموقعة بين دولة ولاعب غير دولي (حركة مسلحة، حركة تحرر وطني، منظمة سياسية) -بصرف النظر عن تصنيف تلك الحركات وأنّ بعض الدول صنّفتها إرهابيةً أو لم تصنّفها بذلك، فالتصنيف ليس مهماً- وفي حالة وجود فصيل مسلح يسيطر على أرض معيّنة وحصل اتفاق بينه وبين أي دولة، فهذا الاتفاق يكون له وزن أكثر من اتفاقية عادية، ولكنه في الوقت نفسه لا يرقى إلى وزن وقوة المعاهدة الدولية، ومع ذلك الدولة الموقعة عليه تكون مسؤولةً عن تنفيذ هذا الاتفاق، خاصةً في حالات وقف إطلاق النار، وفي حالة وجود وسطاء من دول ساعدت في التوصل إلى الاتفاق”.

استناداً إلى ذلك، فإنّ هذا الاتفاق لا ينطبق عليه شرط المعاهدة الدولية، وقانون المعاهدات، لأنه مبرم بين دولة وشخص آخر من أشخاص القانون الدولي، وهو حركة حماس كحركة تحرر وطني لا كدولة. ومن هنا، فإنّ انسحاب أي طرف من هذا الاتفاق وعدم تطبيقه لا يلزم موافقة الأطراف كافة كما هو منصوص عليه في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، وهذا يجعل الباب مشرعاً أمام عدم تطبيق الاتفاق والانسحاب منه في أي لحظة من قبل أي طرف من الأطراف الموقّعة عليه (حماس، وإسرائيل)، ولا تترتب أي التزامات قانونية على أي طرف ينسحب منه بموجب القانون الدولي، ما يجعل هذا الاتفاق هشّاً ومعرّضاً للاختراق.

مسؤولية الأطراف الضامنة للاتفاق

كانت المسؤولية الملقاة على عاتق الوسطاء في تقريب وجهات النظر من أجل الوصول إلى هذا الاتفاق، وهذا ما تم فعلاً، ولكن يبدو أنّ نص الاتفاق خلا من أي مسؤولية قانونية تقع على عاتق الوسطاء في حال أخلّ أي طرف بالتزاماته في تنفيذ الاتفاق، سوى الجملة الوحيدة والعامة والفضفاضة بأن تضمن كل من مصر وقطر والولايات المتحدة تنفيذ هذا الاتفاق.

يشير خبير قانوني إلى أن نص الاتفاق لم يشر إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي، بل إلى إعادة موضعته في القطاع، أي أن بإمكان إسرائيل التحلل من هذا البند في أي وقت.

ويضيف نسيبة: “بالنسبة إلى الوسطاء في حالة الاتفاق بين إسرائيل وحماس في قطاع غزّة، فليست عليهم مسؤولية مباشرة، لأنهم ليسوا أطرافاً في الاتفاق، إلا في حالة وجود نص يشير إلى ‘أنّ عليهم التزامات مباشرة كنشر قوة أو الرقابة لحفظ السلام’، وهذا لم يتم النص عليه في الاتفاق. فلذلك ليست عليهم مسؤولية قانونية. ولكن من حيث المبدأ لا يمكن القول إنّ الاتفاق الذي حصل وزنه صفر، خاصةً إذا دخل في حسابات أخرى، مثلاً في قضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، فإنّ اتفاقيات وقف إطلاق النار سوف تُؤخذ بعين الاعتبار. فالآن مثلاً لا يمكن الطلب من المحكمة أن تأخذ إجراءات احترازيةً، لأنّ هناك وقفاً لإطلاق نار وإسرائيل قالت إن هناك وقفاً لإطلاق النار، فلذلك من الناحية القانونية لا توجد حاجة إلى تدابير مؤقتة أو إجراءات احترازية. وعليه، الاتفاقيات التي تتم بين إسرائيل وحماس أو غيرها لها درجة من الأهمية وليست اتفاقيات عديمة القيمة القانونية، وفي الوقت ذاته لا ترقى إلى مستوى المعاهدة الدولية”.

من جانب آخر، يقول الخبير في القانون الدولي فؤاد بكر، في تصريحه لرصيف22: “إنّ أي اتفاق ثنائي بين طرفين يجب أن يخضع لمجموعة من الشروط حتى يُعطى غطاء قانونياً، حيث أنّ اتفاق وقف إطلاق النار هو اتفاق سياسي، ويخضع لإرادة الطرفين وهما حكومة الاحتلال الإسرائيلية والمقاومة الفلسطينية، وتحديداً حركة حماس، ونيّتهما إنهاء الحرب. ومن بين شروط أي اتفاق لضمان قانونيته وصحته، الأهلية القانونية للطرفين، ورضا الطرفين، ومشروعية المضمون حيث لا يكون مخالفاً للقانون، وسبب الاتفاق، بالإضافة إلى صياغة واضحة ومفهومة غير قابلة للتأويل”.

* المصدر: منصة رصيف22