“صحيفة الثوري” – في الذاكرة:
عبدالاله محمد الإرياني
في ال 28 من ديسمبر من كل عام هي ذكرى اغتيال الشهيد الحي جار الله عمر في واقعة ستتذكرها الأجيال عبر الزمن فبمجرد انتهاء هذا القائد السياسي المحنك من إلقاء خطاب المحبة والألفة خطاب تعزيز التسامح والعيش المشترك ، خطاب الوصايا لتمتين عرى المحبة ، في مؤتمر التجمع اليمني للإصلاح في يوم السبت ال 28 من ديسمبر عام 2002 م انطلقت رصاصات الغدر والخيانة رصاصات تحالف السلاح والفتوى والأمية القبلية في اليمن لترديه شهيداً مضرجاً بدمه الطاهر.
جار الله عمر: رمز لأعظم المناضلين اليمنيين ومن اهم الشخصيات التي ناضلت من أجل اليمن، تمر اليوم الذكرى ال 22 الأليمة لاستشهاد ذلك المناضل الكبير والسياسي اليمني
البارز جار الله عمر، الذي فقدته اليمن في ذلك اليوم المشؤوم، حين اغتالته يد الغدر والخيانة قبل 22 عامًا. في هذه المناسبة، أتذكر هذا الرجل العظيم الذي ترك بصمة واضحة في تاريخ الوطن وأثرًا لا يمحى في قلوب اليمنيين وأنا من ضمنهم ، كنت أسمع عنه كمناضل عظيم ووطني مخلص من خلال قراءاتي ومتابعتي لمسيرته الحافلة بالكفاح، لكن معرفتي الشخصية به تعمقت من خلال أخي الراحل أحمد محمد الارياني رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة سابقا ، الذي كان من أعز أصدقائه ، المناضل الكبير جار الله عمر، كانت علاقتهما قائمة على أساس حب الوطن والإخلاص لقضاياه، حيث تركزت صداقتهما على سعيهما لتوحيد القوى السياسية اليمنية وعبور مرحلة التشتت والصراع الداخلي الذي نشب بعد حرب 1994م. كان جار الله عمر أحد الشخصيات البارزة التي لعبت دورًا محوريًا في تعزيز هذا التوجه الوطني، فقد سعى بجهد مخلص لجمع الأطراف المتفرقة من أجل تحقيق استقرار سياسي وحوار وطني.
وكانت اخر مرة التقيت به حين جاء الينا معزيًا في وفاة صديقه أخي أحمد محمد الارياني
كان بسيطا متواضعا قليل الكلام منتبه لما يقال ، وكأنه يرى كل من حوله أصدقاء مع اختلاف مشاربهم السياسية ، اعجبت بشخصية الرجل ودماثة أخلاقه وحسن طباعه ، سألت أخي أحمد عن شخصيته ، قال لو كان في اليمن كثير من امثاله لما حدثت الحروب ولما كانت اليمن بواقعها المحزن ، لقد نذر حياته من أجل هذا الوطن المُتعَب, وجسَّد في نضالاته وتطلعاته مشروع ديمقراطي تحديثي بديل يتخطى العناوين والانتماءات الضيقة (المناطقية والجهوية والمذهبية والسياسية) إلى محيط الوطن الرحب, كان مسكوناً بهموم الوطن ومستقبل الأجيال حتى آخر لحظة من حياته.,
اثناء اغتياله كنت في البيت اشاهد التلفزيون واستمع الى خطبته التي القاها أمام المؤتمر العام الثالث لحزب التجمع اليمني للإصلاح ، كم كانت تلك اللحظات صادمة فكان قد تحدث بثقة عن الأمل والتغيير، عن حقوق الإنسان، عن الديمقراطية، وعن مستقبل أفضل لليمن. لكن أيادي الاثم لم تدعه يعيش ليساهم في تحقيق ذلك ، إن اغتيال جار الله عمر كان بمثابة جرح عميق في قلب كل يمني محب للوطن. فقد فقدنا شخصا كان يمثل الأمل في بناء وطن يعمه السلام والاستقرار، رحل في لحظة كان الوطن في أمس الحاجة إليه ورغم فاجعة رحيله تظل ذكراه حية في نفوسنا، ونحن نشيد دائمًا بمواقفه الوطنية ونضاله
المستمر من أجل يمنٍ أفضل ، جار الله عمر هو أحد أبرز الشخصيات السياسية والفكرية في اليمن، وقد لعب دورًا كبيرًا في التاريخ الحديث للبلاد .
وُلد عام 1942 م في قرية كهال في مديرية النادرة في محافظة اب بدأ تعليمه في الكُتّاب المحلي ثم انتقل إلى المدرسة الشمسية في ذمار، وبعدها إلى المدرسة العلمية في صنعاء. منذ سن مبكرة، أظهر اهتمامًا بالقضايا السياسية والاجتماعية وانخرط في العمل الوطني من خلال مشاركته الفاعلة في التظاهرات الطلابية التي سبقت ثورة 26 سبتمبر 1962، كما كان من أبرز قادة المظاهرات الشعبية التي اندلعت في أعقاب الثورة في عام 1963 التحق جار الله عمر بكلية الشرطة في صنعاء، ثم أصبح جزءًا من هيئة التدريس في الكلية بعد تخرجه ، بدأ نشاطه السياسي المبكر عندما انضم إلى حركة القوميين العرب عام 1960، وشارك بفعالية في الدفاع عن العاصمة صنعاء أثناء حصار السبعين يومًا في عام 1967. كان أيضًا من مؤسسي الحزب الديمقراطي الثوري اليمني (الذي أصبح لاحقًا الحزب الاشتراكي اليمني) في عام 1968 ، واصبح عضوًا في لجنته المركزية في فترة لاحقة ، تعرض للاعتقال إثر أحداث أغسطس 1968، حيث مكث في السجن لمدة ثلاث
سنوات. وفي عام 1971، انتقل إلى عدن حيث استمر في نشاطه السياسي، حتى أصبح عضوًا في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الثوري في المؤتمر الثاني 1972. وكان من الشخصيات البارزة في تأسيس الحزب الاشتراكي اليمني في عام 1978. كما شغل منصب مسؤول أول عن نشاط الحزب في الشطر الشمالي تحت مسمى “حزب الوحدة الشعبية اليمني” وكان من قياديي الجبهة الوطنية الديمقراطية بين عامي 1975 و1990 .
جار الله عمر حاول جاهدا قبل احداث 1986 في عدن ، أن يكون وسيطا بين المتخاصمين لكن العداء كان مستفحلا وخرج الوضع عن السيطرة بعد أن تدخلت قوى إقليمية ودولية في الصراع ، جار الله عمر كان من أوائل من دعوا إلى التعددية السياسية في الجنوب قبل الوحدة اليمنية في 1990، وكان عضوًا في المجلس الاستشاري بعد قيام دولة الوحدة، حيث ساهم في تشكيل ملامح الدولة الجديدة ، في عام 1993 عين وزيرًا للثقافة والسياحة، وشارك في صياغة وثيقة العهد والاتفاق في 1994 التي كانت محاولة لحل الخلافات السياسية بين القوى اليمنية ، ساهم جار الله عمر أيضًا في تأسيس “اللقاء المشترك”، وهو تحالف يضم مجموعة من أحزاب المعارضة، حيث عمل على تعزيز الديمقراطية والتعاون بين القوى السياسية المختلفة ، في عام 2000، تم انتخابه أمينًا عامًا مساعدًا للحزب الاشتراكي اليمني، حيث واصل نشاطه في تعزيز الحوار السياسي والتعاون بين الأحزاب ، جار الله عمر كان أيضًا مثقفًا ومفكرًا، وكتب العديد من المقالات والكتب التي تناولت تاريخ الثورة اليمنية وأحداث السبعين يومًا، بالإضافة إلى مشاركته
في المؤتمرات الفكرية والسياسية على الصعيدين العربي والدولي. جمع في كتاباته بين الثقافة الإسلامية والثقافة الديمقراطية المعاصرة، مما جعله مفكرًا معاصرًا ومتنورًا
وفي 28 ديسمبر 2002، اغتيل جار الله عمر خلف هذا الحادث موجة من الأسئلة حول الجهة المتورطة في اغتياله ، يعتقد العديد من المراقبين أن هناك أطرافًا في النظام
اليمني وقتها كانت مسؤولة عن تدبير عملية الاغتيال بسبب مواقفه القوية ضد الفساد والسياسات الحكومية الخاطئة .
لقد شهدت جنازته حضورًا ضخمًا من مختلف شرائح المجتمع اليمني والعربي، الذين رثوه بكلمات الإشادة والاحترام، فيما شكل اغتياله ضربة قوية لقوى المعارضة السياسية. ورغم الاتهامات المتبادلة بين القوى السياسية حول ملابسات الحادث، فإن اغتيال جار الله عمر كان يمثل منعطفًا حاسمًا في التاريخ السياسي لليمن، وأسهم في تغييرات عميقة في المشهد السياسي اليمني .
كان لحياة جار الله عمر ومسيرته السياسية والفكرية أثر كبير في تطور اليمن سياسيًا وفكريًا، ولا يزال إرثه الحي يعكس فكره التقدمي وإيمانه العميق بالديمقراطية، والتعددية، والعدالة الاجتماعية .
لقد ترك جار الله عمر إرثاً ضخماً من الفكر السياسي والمواقف الإنسانية التي جسد تها “الوصايا السبع” التي تركها بعد استشهاده. وهذه الوصايا تظل وثيقة مرجعية هامة في السياسة اليمنية، حيث تناولت قضايا الإصلاح والديمقراطية والحوار الوطني. رغم مرور أكثر من عقدين على استشهاده، لا يزال تأثيره حاضراً في ذاكرة الشعب اليمني، وتستمر القوى السياسية التقدمية في إحياء ذكرى استشهاده وتقدير مواقفه الجريئة
جار الله عمر ليس مجرد اسم في التاريخ اليمني، بل هو رمز للعدالة، والتسامح،
اذا كان لي أن أقول شيئا فهو أن هذه الشخصية الفذة لم يعد لها مثيل في واقعنا في وقت ما احوج اليمن واليمنيين الى السلام والأمن والاستقرار فقد ظهر المغامرون ومات وتوارى الحكماء والمصلحون والت البلاد الى ما هي عليه اليوم بعد أن ناضل جار الله عمر عقود طويلة من اجل الجمهورية والوحدة والعدالة الاجتماعية والدولة المدنية ، كان لديه الإصرارعلى بناء وطن يسوده السلام والاستقرار والعدالة .
اليوم، وبعد 22 عام من استشهاده تبقى ذكراه حية في نفوس الذين آمنوا بفكره وقيمه، وستظل مواقفه شاهدة على نضاله المستمر من اجل مستقبل افضل لليمن .
مات جار الله عمر لكن لم يمت تراثه وفكره وسيظل منارة للأجيال القادمة فله العديد من الكتب والمؤلفات ومن أهمها ” مذكرات جار الله عمر الصراع على السلطة والثروة في اليمن ”
المجد والخلود لروح الشهيد المناضل جارالله عمر ، وسنبقى نشيد به وبنضاله وبمواقفه الوطنية ما حيينا.