“صحيفة الثوري” – في الذاكرة:
أحمد ناصر الحاج الظاهري
تحل علينا اليوم الثامن والعشرين من ديسمبر 2024 الذكرى الثانية والعشرين لاستشهاد القائد والمعلم والمفكر جارالله محمد مسعد عمر الكهالي الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني واحد من أبرز قادة الحركة الوطنية الديمقراطية اليمنية المعاصرة.
لقد كان يوم استشهاده يوماً مشهودا وتاريخي يشهد على بشاعة الجُرم الذي أُرتكب باغتياله وهو يلقي كلمة الحزب من على المنبر أمام أكثر من 4000 ألف مندوب من أعضاء وقيادات التجمع اليمني للإصلاح وعدد من السياسيين والمثقفين وعلى مرأى ومسمع الملايين الذين كانوا يشاهدون البث الحي للمؤتمر عبر شاشات القنوات الفضائيه المحلية والعالمية.
لقد اخترقت رصاصات الغدر قلبه وهو يتلو كلمته أو ما عُرفت فيما بعد بوصاياه التي أكد فيها أن الديمقراطية ينبغي أن تمارس ويجب تحقيقها كمنظومةٍ متكاملة داخل الأحزاب السياسية وخارجها داعياً إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة ونبذ ثقافة العنف وإشعال الفتن والحروب وتحقيق السلام الإجتماعي وتأمين السياسات المتوازنه بين الفئات الاجتماعية المختلفه في البلاد.
وتُعد جريمة الإغتيال للشهيد جارالله من أبرز الإغتيالات السياسية في اليمن والوطن العربي وظن مدبروها خاسئين انهم باغتياله انهم قد اغتالوا المشروع الوطني الديمقراطي الذي حمله وتضرجت دماءه في سبيله غير أن هذا المشروع ظل ولايزال حياً وظل الحزب الاشتراكي اليمني باقٍ ونهجه السياسي والفكري يتجدد رغم ما عاناه ولايزال يعانيه من محاولات الإقصاء وطمس التاريخ الوطني المجيد لهذا التكوين الاجتماعي والفكري والسياسي الذي وُلد من قعر الشعب واحشاء نضالاته في التحرر من الظلم وحكم الإمامة البائد في شمال الوطن وطرد المستعمر من جنوبه وتحقيق الاستقلال الوطني المجيد.
نعم لفظ جارالله أنفاسه الأخيرة وارتقى شهيداً خالد مثل اسمه الحركي (خالد عمر)، ولكن المبادئ العظيمة والمشروع الوطني الذي حمله لايزال حياً ومتجدداً في صيرورة النضال الوطني الديمقراطي ونهج الحزب الاشتراكي اليمني والحركة الوطنية الديمقراطية اليمنية بمختلف اتجاهاتها السياسية والفكرية.
تحل علينا اليوم ذكرى استشهاده 22 وأوضاع البلاد لاتزال في حالة الحرب المشؤمة منذ عشرة أعوام ولم تصل أطراف الصراع إلى صيغة سياسية للسلام تجعل مصلحة الوطن فوق كل المصالح السياسية والفئوية والطائفية والاحتكام إلى لغة الحوار والسلام.
كان جارالله قائداً سياسياً وحزبياً نادر وعقلية حوارية وفكرية متميزة، مزج في أحاديثه وكتابته وممارسته بين الثقافة الإسلامية المتسامحه التي اكتسبها خلال دراسته في يفاعة شبابه وبين الثقافة والفكر التقدمي المعاصر، وبالقدر الذي كان أحد القادة التاريخيين للحزب وأبرز مفكريه، فقد بلغ مرتبة الفقيه السياسي من خلال رؤاه وأحاديثه داخل الحزب وخارجه، تلك الرؤى التي اكتسبها من خلال الخبرات المتنوعة في العمل السياسي والجماهيري والعسكري
وامتلك الفراسة والفطنة والدراية والمنهجية التي تتحكم بالسياسات وتقلبات الظروف وسُنن المراحل المختلفة.
لقد كان نِعم القائد الذي جعل مصلحة الوطن والشعب فوق كل المصالح الخاصة واستشهد ولم يمتلك لا المال ولا العقار أو غيره من ملذات الحياة السياسية لبعض الساسة وتجار المواقف والمبادئ وترك خلفه إرث كبير، وكنزاً أكبر أن رؤاه وأفكاره والمبادئ والقيم السامية التي ناضل من أجلها منذ قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدين مروراً بتاريخ وسيرة حياته التي سطرها بدمه وهو على قمة المنبر باسق القامة والهامة.
ومن نافلة القول أننا لا نستطيع السرد الكامل لسيرته المكلّلة بالمجد فكل منّا له حكاية معه وهو الحكاية كلها، حكاية وطن وتاريخ شعب ونضال دؤوب ووفاء متجدد للعهد الذي قطعناه ولانزال نواصل السير على هُدى هذه الأهداف والمبادئ الوطنية المتمثلة في حق الشعب في الديمقراطية والعدل والحرية وبناء الدولة المدنية الحديثة والمنشودة
كان جارالله موسوعة سياسية وفكرية استفاد منها المناضلين التوّاقين للحرية والعدل والديمقراطية خلال حياته ولايزالون كذلك بعد استشهاده.
لقد أسهم في تأسيس المداميك الأولى لنشاة الحزب والحركة الوطنية والعمل السياسي المنظم، واحتلت مكانته الأوساط السياسية الوطنية والعربية وحركات التحرر الوطني المناهضة للظلم والاستعمار ولعل أبرز محطات سيرته النضالية باختصار قد تمثلت في:
- بعد دراسته في المدرسة الشمسيه في ذمار والتحاقه في المدرسة العلمية في صنعاء وتعلمه أصول الفقة والأدب شارك في المظاهرات الطلابية التي نددت بنظام الإمامة قبل قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م.
- شارك في التظاهرات الطلابية في صنعاء المؤيدة للثورة وساهم في تأسيس اتحاد طلاب اليمن بعد قيام الجمهورية.
- التحق بكلية الشرطة الدفعة الأولى وكان من أوائل الخر يجيبن، ثم عُيّن مدرساً فيها.
- أحد القادة العسكريين الذين دافعوا عن صنعاء في حصار السبعين (وقد ألّف كتاب عن تلك الملحمة).
- التحق في حركة القوميين العرب عام 1961.
- كان من مؤسسي الحزب الديمقراطي اليمني أحد المكونات الرئسية للحزب الاشتراكي اليمني وانتخب عضواً في مكتبه السياسي عام 72م.
- من ابرز القيادت التاريخيه لتأسيس الحزب الاشتراكي وعضواً في المكتب السياسي منذُ تأسيسه .
- تعرض للاعتقال بعد أحداث 23/ 24 اغسطس 68 من قبل نظام 5 نوفمبر وظل في السجن لمدة 3 أعوام.
- سكرتير أول لمنظمة الحزب (م/ يحصب) في المناطق الوسطى ومحافظة إب بعد تاسيس الحزب.
- سكرتير لفرع الحزب في شمال الوطن (حزب الوحدة الشعبية) قبل إعلان الوحدة.
- من مؤسسي الجبهة الوطنية الديمقراطية وأحد قادتها.
- أبرز المحاورين بين نظام صنعاء قبل الوحدة والجبهة الوطنية الديمقراطية.
- مثّل الحزب في العديد من اللقاءات والحوارات الداخلية والخارجية.
- ارتبط بعلاقات واسعة مع المثقفين اليمنين والعرب واتحاد الأدباء والكتاب وقام بتشجيع والحاق الشباب في التعلم والتعليم في مختلف المجالات والتخصصات المدنية والسياسية والعسكرية وغيرها، وله باع كبير في مجال الثقافة الوطنية، ولايزال تلامذته يتذكرون مآثره ونصايحه حتى اليوم، وأصبح الكثير منهم يحتلون مواقع رفيعة في الحياة الاجتماعية والسياسية وغيرها.
- أول من طرح قضية التعددية السياسية في اليمن وتعرض بسب طرحها علناً إلى الكثير من المضايقات لكن التطورات السياسية فيما اثبتت صحة وجهة نظره المكتوبة والمسموعة حينها
- عُيّن بعد إعلان الوحده عضواً في المجلس الاستشاري.
- وزيراً للثقافة عام 93م.
- له العديد الأحداث والمذكرات حول العديد من القضايا الوطنية والسياسية كما أن له العديد من المذكرات والآراء المكتوبة التي طرحها داخل الحزب وخارجه، تم نشرها قبل وبعد استشهاده.
- مثّل عقل الحزب الناصح والناضج في الحياة الحزبية الداخلية، وكان المرجعية للذين يختلفون في وجهات النظر وصاحب الرأي السديد الذي يُحتذى ويقتدي به رفاق دربه في القيادة والقواعد وامتلك قوة المنطق والإقناع ليس فقط داخل الحزب بل ومع القوى السياسية الاخرى.
- ساهم في إعداد الوثائق والأدبيات للحزب في مختلف الظروف.
- بعد حرب 94م المشؤمة والظالمة التي أقصت الشريك الرئيسي للوحده قام مع رفاقه في لملمة واعادة صفوف الحزب في أصعب الظروف والمواجع والمخاطر التي تعرض لها.
- أرسا أساس للعمل التحالفي والإتلاف بين القوى السياسية المخلتفة فكرياً، وكان مهندس لما عُرف وقتذاك باللقاء المشترك الذي لعب دوراً سياسياً مهماً للمعارضة في تلك المرحلة من التاريخ.
كان جارالله رمزاً وطنياً وسياسياً محنك يحضى بمكانةٍ واحترامٍ واسع بين أطراف العمل السياسي في اليمن والوطن العربي.
إن الأدوار التي قام بها لايمكن اختزالها في كتابة مقالة أو منشور بحد ذاته إنما يمكن القول أن كل من كتب عنه وعن حياته وجريمة اغتياله قد عبروا عن العهد والوفاء للقيم النبيلة التي حملها ولدماءه الزكية التي سُطّرت في أنصع صفحات التاريخ الوطني المجيد.
ولتبقى مآثر وصفات وأفكار جارالله خالدة في وجدان الشعب وضميره وتبقى سيرة كفاحه انشودةً ترددها الأجيال الصاعدة جيلاً بعد جيل.
ويلعن التارخ والوطن القتلة والمجرمين.
ولتبقى روح الشهيد الملهم والمعلم ابوقيس منارةً مضيئة لطريق النضال الوطني الديمقراطي الطويل.
له المجد والخلود والرحمة من الله في جناته الواسعة.