«صحيفة الثوري » – “نيويورك تايمز”:
قبل أسبوعين تقريباً من الانتخابات الرئاسية الأميركية، أجرى دونالد ترامب مقابلة مع قناة تلفزيونية عربية واسعة الانتشار مملوكة للمملكة العربية السعودية وأشاد بولي العهد السعودي، ووصفه بأنه “صاحب رؤية” و”صديق”
في المقابل، لم تمنح نائبة الرئيس كامالا هاريس، خصم ترامب في الانتخابات الرئاسية، أي مقابلات مع وسائل الإعلام الدولية الناطقة باللغة العربية خلال حملتها الانتخابية المقتضبة.
ولم يغب هذا التباين عن المراقبين في دول الخليج الغنية بالموارد، حيث ظهرت راحة معينة مع فكرة رئاسة ترامب مرة أخرى في الأسابيع التي سبقت الانتخابات يوم الثلاثاء.
وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان لشبكة سي إن إن الأسبوع الماضي خلال منتدى الاستثمار السنوي للمملكة الملقب بـ “دافوس في الصحراء”: “من الواضح أننا عملنا مع الرئيس ترامب من قبل، لذلك نحن نعرفه ويمكننا إيجاد طريقة للعمل معه بشكل جيد للغاية”.
كان ترمب قد عزز علاقاته الشخصية مع زعماء الخليج خلال رئاسته الاخيرة، وعرض دعمًا دفاعيًا قويًا لبلدانهم مع تجنب انتقاد سجلات حقوق الإنسان لديهم، ومن المرجح هذه المرة أن تتطلع دول الخليج إلى إدارة ترامب الجديدة للمساعدة في إنهاء الحرب المدمرة في الشرق الأوسط، وضمانات أمنية حازمة والاستثمار الأمريكي في محاولتها تنويع القاعدة الاقتصادية للمنطقة بعيدًا عن الاعتماد الكامل تقريباً على الطاقة.
أكدت مقابلة ترامب في العشرين من أكتوبر مع قناة العربية التلفزيونية المملوكة للسعودية على الروابط القوية التي أقامها الرئيس السابق مع زعماء الخليج على مر السنين.
قال ترامب في المقابلة، في إشارة إلى ولي العهد محمد بن سلمان، الزعيم الفعلي للمملكة العربية السعودية، “إنني أحترم محمد كثيراً، الذي يقوم بعمل رائع” قبل ان يضيف “أعني أنه حقًا صاحب رؤية”.
وكان ولي العهد السعودي أحد أوائل القادة الأجانب الذين تحدثوا مع ترامب بعد فوزه في الانتخابات، قائلاً إن مملكته تتطلع إلى “تعميق العلاقات التاريخية والاستراتيجية” مع الولايات المتحدة.
ويفضل العديد من الناس العاديين في المنطقة، وخاصة الشباب، القيم الاجتماعية الأكثر محافظة التي يتبناها الحزب الجمهوري بعيدًا عن العلاقة الأمنية الوثيقة والعلاقات التجارية بين السيد ترامب والخليج.
من ناحية أخرى، كان للرئيس بايدن، الذي ترتبط به السيدة هاريس ارتباطاً وثيقاً، تاريخاً أكثر توتراً مع زعماء الخليج، فقد أثار غضب العديد من السعوديين عام 2019 عندما كان يخوض حملته الانتخابية للرئاسة، واصفا المملكة بأنها “منبوذة” بسبب مقتل وتقطيع أوصال الصحفي المنشق جمال خاشقجي.
وبعد بضع سنوات من ذلك، صافح الرئيس بايدن ولي العهد محمد خلال لقاء محرج في السعودية، حيث كان الزعيم الأمريكي يحاول تأمين اتفاق لضخ المزيد من النفط وتخفيف أسعار الغاز المرتفعة في الداخل.
كما شعرت دول الخليج بالإحباط من الدعم العسكري والسياسي القوي من إدارة بايدن لإسرائيل في الحرب الحالية في الشرق الأوسط – وهو الشعور الذي غذى المخاوف في المنطقة بشأن رئاسة هاريس.
لقد دعا زعماء الحزب الديمقراطي في كثير من الأحيان إلى اتباع نهج أكثر انتقادا لمشاكل حقوق الإنسان في السعودية والإمارات، وهي الاستراتيجية التي اعتبرها كثيرون في الخليج متعالية وربما مزعزعة للاستقرار لأمنهم القومي لأنها قد تثير المعارضة.
وقد تجنب ترامب خلال سنوات رئاسته الانتقادات العلنية لحقوق الإنسان، وقد ساعد ذلك في تمهيد الطريق لتعزيز العلاقات السعودية الأمريكية، التي اتسمت بدعم دفاعي قوي وموقف أمريكي أكثر عدوانية ضد منافس المملكة الإقليمي منذ فترة طويلة، إيران.
كما طور ترامب علاقة شخصية مع كل من ولي العهد محمد والرئيس الأميركي الشيخ محمد بن زايد في حين كانت المشاركات الدبلوماسية مع الرئيس بايدن والسيدة هاريس أكثر رسمية.
واختار ترامب العاصمة السعودية الرياض لأول رحلة خارجية له كرئيس في عام 2017، مما يشير إلى الأهمية التي يوليها للعلاقة، ووقف الى جانب ولي العهد محمد في السنوات التي تلت ذلك، على الرغم من تقييم وكالة المخابرات المركزية بأنه أمر على الأرجح بقتل السيد خاشقجي في عام 2018.
ولكن لم يكن الأمر سلسًا دائما، فقد أبدى بعض المسؤولين الخليجيين أسفهم لأن السيد ترامب لم يستجب بشكل أقوى للهجوم المدعوم من إيران على حقول النفط السعودية في عام 2019 والذي أدى إلى توقف نصف إنتاج البلاد من النفط مؤقتًا.
ومع اقتراب ولاية ترامب الأولى من نهايتها في عام 2020، توسطت إدارته فيما اعتبرته إنجازًا كبيرًا في الشرق الأوسط، وهو اتفاقيات إبراهيم التاريخية، وقد فتحت هذه الصفقة العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل ودولتين خليجيتين، الإمارات والبحرين، ولم تستخدم الدولتان العربيتان نفوذهما للإصرار على إنشاء دولة فلسطينية – كما طالبت دول الخليج منذ فترة طويلة.
ومع توجه السيد ترامب إلى فترة ولايته الثانية، قد يكون مسار أجندته الأمنية والدبلوماسية في الشرق الأوسط أكثر تعقيدًا، فقد تحاول إدارة ترامب الجديدة إحياء خطة لإقامة اتفاق سلام سعودي إسرائيلي في مقابل اتفاقية دفاعية معززة مع الولايات المتحدة ودعم أمريكي لبرنامج نووي سعودي مدني، ويبدو أن الدول الثلاث المعنية كانت تقترب من التوصل إلى اتفاق قبل اندلاع حرب إسرائيل مع حماس في غزة في 7 أكتوبر 2023.
وأدى الصراع إلى توقف الزخم ويصر السعوديون الآن على إنشاء دولة فلسطينية أولاً، وهو ما يمثل تشديدًا لموقفهم قبل الحرب.
وعندما تولى ترامب منصبه آخر مرة، أصدر خطة سلام مثيرة للجدل اعتبرت منحازة بشدة نحو إسرائيل ولن تمنح الفلسطينيين دولة كاملة، وتخشى دول الخليج أيضًا من أن يؤدي المزيد من التصعيد للحرب الإقليمية إلى تقويض جهودها لتنويع اقتصاداتها بعيدًا عن الاعتماد شبه الكامل على الطاقة وتهديد خطط التنمية الطموحة.
وعلى هذا المنوال، لطالما نظرت دول الخليج إلى السيد ترامب باعتباره شريكًا تجاريًا، وهو الأمر الذي لم يتغير حتى بعد خسارته لانتخابات 2020، فقد انخرط أفراد عائلته منذ خروجه من البيت الابيض في صفقات مختلفة في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك مشاريع في دبي والسعودية، وحصل صهره جاريد كوشنر على استثمار بقيمة 2 مليار دولار من صندوق حكومي سعودي لشركته الاستثمارية الخاصة بعد ستة أشهر من مغادرة السيد ترامب للبيت الأبيض.
وقد أعرب السناتور رون وايدن، الديمقراطي من ولاية أوريجون ورئيس لجنة المالية بمجلس الشيوخ في سبتمبر ايلول، عن مخاوفه من أن الاستثمارات السعودية في صندوق السيد كوشنر تثير “صراعات واضحة للمصالح”، خاصة مع ترشح والد زوجته لإعادة انتخابه.
بالنسبة لترامب، فإن الطريق إلى علاقات قوية مع الخليج شخصي، ففي مقابلة مع بلومبرج في يوليو/تموز، بدا واثقًا من أنه وجد الصيغة لعلاقة متناغمة مع المملكة العربية السعودية – علاقته بالإضافة إلى ضمانات الأمن الأمريكية.
وقال عن ولي العهد السعودي: “إنه يحبني. وأنا أحبه. سيحتاجون دائمًا إلى الحماية، وسأحميهم دائمًا. كانت علاقتي به رائعة”.