(الثوري) – كتابات :
فتحي أبو النصر
قصة الكاتب الصحفي عبد الحبيب سالم مقبل تعد واحدة من أبرز القصص التي تجسد الشجاعة في مواجهة الديكتاتورية والفساد. مقبل كان صوتا قويا، استخدم قلمه لمواجهة نظام علي عبدالله صالح وفتح ملفات الفساد والاستبداد. بصفته كاتبا صحفيا جريئا ونائبا برلمانيا شجاعا، نجح في الفوز بثقة الشعب، لكنه أصيب بخيبة أمل كبيرة من الفوضى السياسية والفساد داخل مجلس النواب، ما دفعه إلى تقديم استقالته الشهيرة***في مارس 1995.
بعد استقالته، كانت الظروف الغامضة المحيطة بوفاته في 22 أكتوبر 1995 مثار تساؤلات كثيرة، خاصة بعد تعيينه ملحقا ثقافيا في بولندا. عبد الحبيب لم يكن مجرد كاتب صحفي مرموق بل كان شخصية وطنية تناضل من أجل الحقوق والحريات، ولم يتوقف عن نقد السلطة حتى لحظة رحيله.
وفاة الصحفي عبد الحبيب سالم مقبل في ظروف غامضة يوم 22 أكتوبر 1995 لا تزال تشكل لي لغزا لم يُحل بشكل كامل، وتجعل من قصة حياته ومسيرته مادة خصبة للتأمل والتحليل. عبد الحبيب مقبل لم يكن مجرد صحفي عادي، بل كان رمزا في معارضة وانتقاد السلطة وفي تعرية فسادها واستبدادها، وتأكيده على ضرورة الديمقراطية والعدالة. عبارته الشهيرة “الديمقراطية كلمة مرة” عنوان عموده المدوي الذي كان في صحيفة صوت العمال المدعومة من قبل الحزب الإشتراكي اليمني ،كانت تعبيرا صريحا عن إدراكه العميق للصعوبات والتحديات التي تواجه تحقيق الديمقراطية الحقيقية في اليمن، في ظل نظام كان يزداد غطرسة يوما بعد يوم.
وُلد عبد الحبيب سالم مقبل في قرية الزبيرة قدس في محافظة تعز عام 1961، ومنذ سنواته الأولى كان مقدرا له أن يكون صوتا قويا في الدفاع عن الحق والعدالة. مسيرته المهنية بدأت بعمله كإداري في مؤسسة سبأ للصحافة والأنباء، لكنه سرعان ما وجد نفسه أكثر انخراطا في العمل الصحفي. مع بداية الثمانينيات، تبلورت شخصيته كصحفي، حيث عُرف بجرأته وتحديه للنظام القائم من خلال كتاباته النقدية في صحيفة “الجمهورية” وصحف أخرى.
شغل عدة مناصب صحفية هامة، منها رئيس قسم التحقيقات في صحيفة الجمهورية ونائب مدير تحريرها، ثم تفرغ للعمل ككاتب صحفي في عدد من الصحف، كان أبرزها صحيفة “صوت العمال”. مقالاته كانت دائما ما تحمل نفس النقد اللاذع للسلطة، حيث سلط الضوء على فسادها وفشلها في تلبية تطلعات الشعب اليمني.
لم يكن عبد الحبيب مجرد صاحب رأي، بل انخرط أيضا في السياسة بشكل فعال، حيث ترشح لعضوية مجلس النواب في انتخابات 1993 وفاز بأغلبية ساحقة في دائرته الانتخابية بمدينة تعز.. بهزيمة مدوية لمرشحي المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح.دخول عبد الحبيب البرلمان لم يكن خطوة نحو الحصول على النفوذ أو الامتيازات، بل كان وسيلة أخرى لإيصال صوته ورسالة الشعب تحت قبة البرلمان. غير أن تجربته في البرلمان لم تدم طويلاً، إذ سرعان ما قدم استقالته في مارس 1995 احتجاجا على الفوضى التي كانت تعم المجلس وعدم المصداقية، إلى جانب تستر البرلمان على فساد الحكومة. كانت استقالته تعبيرا عن رفضه المطلق للمساومة على المبادئ، ما جعل منه قدوة في النزاهة والالتزام.
بعد استقالته، عُين عبد الحبيب في منصب الملحق الثقافي لليمن في بولندا، وهو تعيين أثار تساؤلات كثيرة حول دوافعه الحقيقية، إذ أن عبد الحبيب كان معروفا بمعارضته الصريحة للنظام القائم. كيف تم إقناعه بقبول هذا المنصب؟ ومن أقنعه بذلك؟ هذه الأسئلة لا تزال عالقة دون إجابات واضحة. ما هو مؤكد أن تعيينه في هذا المنصب لم يكن إلا خطوة لإبعاده عن اليمن وتهميش دوره كصوت ناقد للنظام.
في يوم الأحد، 22 أكتوبر 1995، توفي عبد الحبيب في ظروف غامضة في صنعاء بعد أزمة قلبية مفاجئة. قبل يوم واحد فقط من وفاته، كان قد قدم استقالته من منصب الملحق الثقافي، مما أثار شكوكا حول ما إذا كانت وفاته حادثا طبيعيا أم نتيجة مكيدة مدبرة. قيل إن الطائرة الطبية السعودية التي كانت مقررة لنقله للعلاج بطلب من الديبلوماسي مصطفى النعمان المقرب من دوائر صنع القرار في السعودية لم تصل في الوقت المناسب، وهو ما زاد من الشكوك حول وجود تدخلات من قبل جهات متنفذة حالت دون تلقيه العلاج اللازم. يحكي مصطفى النعمان أن الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر عزمه إلى منزله ضمن برلمانيين ودبلوماسيين وهناك عاتبه على طلبه من السعوديين طلب الطائرة الطبية المستعجلة .
بعد وفاته، تم جمع مقالاته في كتاب بعنوان “الديمقراطية كلمة مرة”، ليصبح الكتاب شاهدا على عمق وجرأة تحليلاته السياسية. عبد الحبيب لم يكتف بانتقاد النظام اليمني فقط، بل تجاوز ذلك إلى نقد الفكر السياسي العربي بشكل عام، حيث كشف عن أوجه القصور في النظام السياسي العربي، واستعرض دور الإعلام في تزييف الحقائق وتطويع الشعوب للقبول بالاستبداد.
تحدث عبد الحبيب عن فساد الحكم والطغيان، وربط بين السلطة المطلقة والفساد المؤسسي، حيث كان من أوائل من فتحوا ملفات الفساد في النظام اليمني وكشفوا عن استغلال السلطة لأغراض شخصية. لم يكن يخشى انتقاد الرموز السياسية الكبرى، بما في ذلك الرئيس صالح وشيخ البيعة عبد الله بن حسين الأحمر، الذين وصفهم بأنهم رموز للنظام الفاسد والمستبد. كان شجاعا في انتقاداته، ولم يكن يخشى مواجهة القادة، حتى وإن كانت هذه المواجهات قد تكلّف حياته.
رحيل عبد الحبيب سالم مقبل ترك فراغا كبيرا في الساحة الصحفية والسياسية في اليمن. الصحافة اليمنية فقدت أحد أهم رموزها، ورغم أن عددا من الصحفيين استمروا في حمل شعلة النقد والجرأة، إلا أن عبد الحبيب يظل أيقونة نادرة للشجاعة والمثابرة. كانت كتاباته ومواقفه مقدمة لانتفاضة الشعب اليمني ضد الفساد والاستبداد، وكان من الأصوات التي ألهمت الصحفيين والسياسيين الشباب لرفع سقف النقد والتمسك بمبادئ الديمقراطية والعدالة.
لقد أسس عبد الحبيب بفكره وكتاباته نموذجا يحتذى به للصحفيين والسياسيين الذين يرفضون التنازل عن المبادئ مهما كانت الضغوط. سيرته هي قصة إنسان شجاع لم يخضع للإغراءات ولم يتراجع أمام التهديدات، وهي قصة تستحق أن تُروى للأجيال القادمة لتكون مصدر إلهام لكل من يسعى لبناء دولة قائمة على العدالة والمساواة.
عبد الحبيب سالم مقبل لم يكن مجرد صحفي أو سياسي حتما، بل كان رمزا لمقاومة الظلم والفساد، ورمزا للشجاعة في زمن الصمت. وفاته الغامضة لن تمحو إرثه الذي سيظل محفورا في ذاكرة كل يمني يبحث عن الحقيقة والعدالة.
يقول صديقه وكيل وزارة الخارجية اليمنية الأسبق مصطفى النعمان “لم تقف آثار حرب صيف 1994 عند انهيار مفهوم الوحدة كمسار آمن لتحقيق طموحات اليمنيين وآمالهم، وكانت مستفزّة التصريحات التي أطلقها سياسيون وفقهاء حول ضرورة الحرب، فمنهم من قال “قتلانا في الجنة وقتلى الاشتراكي في النار”، وآخر استند إلى نصوص قرآنية وأحاديث خارج سياقها تحضّ على القتال، واصفاً الحرب بأنها “معركة المؤمنين ضد المشركين”. وما انتهت الحرب حتى أدرك العقلاء أن الحلم الذي ظل يراود اليمنيين منذ عقود قد تبخّر عند الذين كانوا يتمنّون بأن تكون كل اليمن مساحة للمحبة والإخاء، فصارت الوحدة كابوساً ثقيلاً يعيشون معه تحت ظل خوف وقلق وعدم الرضا عن الممارسات التي تلت تحطّم الوحدة السلمية الاختيارية.
يضيف كانت سنوات الوحدة الأربع الأولى، بين مايو (أيار) 1990 ويوليو (تموز) 1994، استثنائية بكل المعايير، فتمكّنت الأحزاب من العمل بحرية ونشاط ومن دون قيود وقدّمت لها الدولة مساعدات مالية بموجب القانون. كما ازدهر الإعلام وارتفع سقف الحريات إلى مستويات لم يبلغه إلّا ربما لبنان. لكن انتهاء ما سمّاه المنتصرون “الحرب من أجل الوحدة”، أعاد الحريات إلى مرحلة ما قبل 22 مايو 1990، ولم يعد في البلد إلّا صوت واحد هو صوت علي عبدالله صالح وحليفيه عبدالله بن حسين الأحمر وعلي محسن الأحمر.
كان لافتاً أن الأجهزة الأمنية استولت على أرشيف الصحف مثل “صوت العمال” و”الثوري” و”المستقبل”، التي كان الحزب الاشتراكي يموّلها وكان معظم نقدها موجهاً إلى صالح وأسرته ونظامه. ولا أدري هل احتفظت به أو أحرقته بعدما نهبت محتويات مكاتب تلك المطبوعات، واعتقلت عدداً من صحافييها، ومثلت هذه الأعمال مؤشراً إلى ما ستكون عليه الحال بعد الحرب، وأن ما كان متاحاً قبلها لن يُسمح باستمراره.
توقّف عبدالحبيب عن الكتابة لفترة قصيرة، ثم عاد في 18 سبتمبر (أيلول) 1994، بمقال عن “فقه الضرورة” من حلقتين نشرتهما صحيفة “الشورى” وتناول فيهما دور حزب الإصلاح في الحياة السياسية بعد الحرب وقبلها، وكذا علاقة الشيخ (الأحمر) بالرئيس (صالح). أثار المقال غضب قيادات حزب الإصلاح، التي كانت حينها متمسّكة بمحورية وأهمية العلاقة بين الرجلين لتحقيق مصلحة حزبية مستدامة عبر تقاسم السلطة مع المؤتمر، وبحسب تصريح الشيخ الأحمر فـ”لا فرق بيننا، المؤتمر والإصلاح واحد”.
كانت صحيفة “الشورى” هي المنبر المتاح الوحيد بعد إغلاق بقية الأبواب، ومنحت كتّابها مساحة حريات معقولة نسبياً في تلك الظروف. كما أن صالح كان راغباً في إعطاء النظام – بعد الحرب – صبغة الحفاظ على الحريات الصحافية، لكن العلاقة التاريخية بين آل الوزير مع السعودية كانت أقوى بطبيعة الحال من أن تجازف الصحيفة بنشر مقال يتناول موضوعاً في غاية الحساسية عن العلاقة بين البلدين.
كان مصطفى النعمان قد ذكر سابقا أن عبدالحبيب أرسل المقال إلى صحيفة “الشورى”، فاعتذرت عن النشر لطبيعة العلاقة بين مالكها (الأستاذ المرحوم إبراهيم بن علي عبدالله الوزير) والسعودية، وكذلك الروابط الشخصية مع الشيخ عبدالله الأحمر. وهكذا، قرّرتُ الذهاب إلى مقر صحيفة “الوحدوي”، حيث التقيتُ بالمرحوم الأستاذ أحمد طربوش وعرضتُ عليه الحلقة الأولى. وبعدما قرأها، وافق على النشر وطلب مني أن أعطيه الحلقات الثلاث، فقلتُ له “أنشر الأولى ثم أمرّ عليك بالثانية ثم الثالثة في حينه”. وكانت مقالة “شيخ البيعة” بحلقاتها الثلاث توثيقاً للعلاقات اليمنية – السعودية، ودعوة صادقة نزيهة المقاصد إلى إجراء مراجعة لها وإخراجها من نطاق الدوائر الشخصية والارتقاء بها إلى عمل مؤسسي عبر قنوات علنية معروفة للجميع.
تسبّب نشر مقال “شيخ البيعة” في غضب الشيخ عبدالله الأحمر رحمه الله وأبنائه، وصارت علاقته بعبدالحبيب، عضو مجلس النواب أكثر توتّراً، وكان يتعمّد حجب حقّه في الحديث خلال الجلسات وعدم إشراكه في الزيارات التي يقوم بها الأعضاء إلى الخارج. وقد ذكر عبدالحبيب في إحدى مقالاته، “فقه الضرورة” في 25 سبتمبر 1994، أن أحد أبناء الشيخ عبدالله الأحمر – كان عضواً في مجلس النواب- أبلغه رسالة شخصية من والده أن “أبي – رئيس البرلمان- يقول: قد ضحّينا كثيراً ومستعّدون للتضحية وأنت عضو غير مرغوب فيه من بين كثيرين من الأعضاء في المجلس – وإن القانون الذي يحكمنا في البرلمان وفي الدولة هو قانون المصلحة، فلا تتجاوزوا حدودكم”.
كان هذا العضو الشيخ حميد بن عبد الله بن حسين الأحمر.
ولذلك في مارس (آذار) 1995، قرّر عبدالحبيب الاستقالة من عضوية مجلس النواب وأراد لها أن تكون رسالة وداع، فوضع فيها مبرّراته (التي لا تزال قائمة حتى اليوم)، وتمنّى فيها لزملائه “الصبر” وأنه يشعر “بالحزن لقلّة صبري وطباعي التي تخالف منطق الواقع”، واصفاً إدارة المجلس بـ”العبث”، و”سوء إدارة يكلّفنا وشعبنا جهداً ومالاً وأنا لا تتحمّل طباعي التعامل بحسن نيّة واستثمار”. وقال إن المجلس “ليس سوى مجلس رديف لأجهزة ومؤسسات الاستبداد والاستعباد داخل الدولة”، وإن ضميره “لم يكن يستوعب العبودية والزيف أطول من هذه الأشهر”، وإنه “سيفتقد الفوضوية التي يعيشها المجلس والمخالفات اليومية للقانون والدستور”، مذكّراً الأعضاء بأنه تعلّم “خلال سنتين أن السلطة الفاسدة والديمقراطية لا تجتمعان، فالسلطة مفسدة حقاً وكدتُ أعذر رئيس الدولة ونائبه ومستشاريه والوزراء والقادة وكل صاحب مركز، على فسادهم وكدتُ أعذرهم على الاستماتة للبقاء في مراكزهم، ذلك لأنهم مطبوعين بعبودية السلطة وامتيازاتها”.
رفض الشيخ عبدالله الأحمر عرض الاستقالة على المجلس، مخالفاً اللوائح الداخلية التي تلزمه ذلك، واعتبرها فرصة لإبعاد عبدالحبيب عن المجلس، وكان الإجراء الأول هو وقف مستحقّاته القانونية، ولم ينزعج أغلب الأعضاء لاستقالة زميلهم عن المجلس وغيابه، فصارت مقبولة بحكم الأمر الواقع.
يوضح مصطفى النعمان الذي كان أيضا ضمن قيادات الاضراب في مدينة تعز رفقة عبد الحبيب سالم مقبل..بقيتُ على تواصل مع عبدالحبيب ونلتقي في المرات التي كنتُ أزوره في تعز، وكان حينها يعيش بهدوء داخلي وبدأ التفكير جدياً بالالتحاق لدراسة الماجستير. فجرت وساطات، قرّر بعدها الرئيس الراحل خروج عبدالحبيب ملحقاً ثقافياً بولندا، على الرغم من أنه كان يودّ الذهاب إلى تونس ليقترب من دراسة اللغة الفرنسية. وفي تلك الفترة ذاتها، كنتُ أنتظر الموافقة على تعييني كأول قائم بالأعمال لدى دولة الكويت، بعد خمس سنوات من إغلاق سفارة اليمن هناك إثر الغزو العراقي.
يضيف الديبلوماسي مصطفى النعمان بلغ عبدالحبيب نضجاً سياسياً وذهنياً مذهلَيْن في العامين الأخيرين من حياته القصيرة، وكان شديد الاعتزاز بتمسّكه بالمبادئ والنزاهة وأهمية مواصلة رفع وعي الناس بشرح ما يدور من دون تجميل ولا تزييف. ولا أشكّ أن حرب صيف 1994 جعلته أكثر قلقاً على مستقبل البلاد، لكنه ظلّ ملتزماً بالتفكير بصوت مرتفع حدّ الصراخ كي تصل كلماته إلى كل يمني في أي بقعة من البلاد، وما كان يخشى المواجهة مع الحاكم ولا مخاطرها.
لم يسعف القدر عبدالحبيب للسفر والابتعاد عن المناخ المسموم الذي تكوّن ضده والكراهية ضد أفكاره وما يؤمن به. فتوقّف قلبه عن النبض في 22 أكتوبر (تشرين الأول) 1995. ولن أنسى المرة الأخيرة التي رأيتُ فيها وجهه بابتسامته الساخرة دوماً، وقد فارقني وأسرته ومحبيه، ولكنه ترك إرثاً عظيماً من الشجاعة والصراحة والنبوغ وحبّ اليمن.
***
نص إستقالة النائب عبد الحبيب سالم مقبل من مجلس النواب
الموضوع : تقديم استقالة من عضوية مجلس النواب الدائرة 35 مدينة تعز
الاخ رئيس مجلس النواب المحترم
الاخوة اعضاء مجلس النواب المحترمين
انني واحد من الذين انتخبهم اليمنيون كممثلين لهم فيما يسمى اعلى سلطة للشعب وهو مجلس النواب .. وانني افخر بالثقة التي منحت اياها في معركة انتخابات ابريل 93م التي خضتها بعزيمة ان اكون ممثلاً حقيقياً لمواطني الدائرة 35 بمدينة تعز ..وإذ بي أجد المجلس الذي يمثل المؤسسة الاولى للشعب ليس سوى مجلساً رديفاً لأجهزة ومؤسسات الاستبداد والاستعباد داخل الدولة .
ولم يكن ضميري يستوعب العبودية والزيف أطول من هذه الاشهر التي قضيتها ممثلاً زوراً لستة عشر مليون مواطن يمني .
وانني اتمنى أن أمنح وقتاً مناسباً لتفصيل الوضع الذي يعيشه مجلس النواب ويبرر كاملاً هذه الاستقالة .
والى ذلك الحين أرفع لكم استقالتي حسب نص المادة 156 من قانون المجلس متخلياً عن كافة امتيازاتي كعضو برلماني- بين ذلك الراتب الشهري الضخم الذي تقطعه هيئة رئاسة المجلس شهرياً بدون سند قانوني ، وجواز سفر دبلوماسي لاتحترمه سوى السفارات الاجنبية ومكاتب شركات الطيران الاجنبية ، والحصانة البرلمانية التي انتهكها الامن السياسي وينتهكها الجنود في نقاط التفتيش غير الدستورية وفي المطارات وحتى داخل مجلس النواب مثل غيري من الأعضاء والمواطنين .
ولعلني حقيقة سأفتقد هذه الفوضوية التي تعيشونها ..وسأفتقد المخالفات اليومية للقانون والدستور داخل المجلس .. وحسبي أنني تعلمت خلال سنتين أن السلطة الفاسدة والديمقراطية لاتجتمعان فالسلطة مفسدة حقاً ..
وكدت اعذر حتى رئيس الدولة ونائبه ومستشاريه والوزراء والقادة والمدراء وكل صاحب مركز ..كدت اعذرهم على فسادهم ، وكدت اعذرهم على الاستماتة للبقاء في مراكزهم ، ذلك لأنهم مطبوعون بعبودية السلطة وامتيازاتها ..
وأنا لست زاهداً أو متصوفاً بقدر ما أنا مجازف سأضحي بدخل سنوي يصل الى مليون ريال من مجلس النواب لكني مقابل هذه التضحية احتفظت بشيء واحد اعتقد ان كثيرين من الأخوة الاعضاء يفكرون فيه بجدية وهو أغلى ثمناً ..ولولا التزاماتهم المالية لما بقوا في هذا المجلس بوضعه الراهن الذي يرعاه بجهد شاق الوالد الشيخ عبد الله بن حسين الاحمر والاستاذ محمد الخادم الوجيه ويتفننان بادارته بطريقة تعكس وضع الدولة وعقلية السلطة !
ولذا اتمنى لكم التوفيق ومزيداً من الصبر وطول البال فأنتم تؤدون على الاقل مهة تحسين وجه بلادكم وتنعشون أمل الديمقراطية المنهكة فيها .
وانني اشعر بالحزن لقلة صبري وطباعي التي تخالف منطق الواقع .
لقد عقدنا حتى يوم تقديم هذه الاستقالة 386 جلسة قضينا فيها 1158 ساعة واستهلكنا حوالي 579 ساعة فقط لمناقشة محاضر جلساتنا والاحتجاج على هيئة رئاسة البرلمان لمخالفتها للقانون والدستور ..وهذا عبث وسؤ ادارة يكلفنا وشعبنا جهداً ومالاً
وأنا لا تتحمل طباعي التعامل معه بحسن نية وإستثمار
انني ارجو أن تسامحوني من كل ازعاج سببته لكم ولديمقراطيتكم
والله المستعان
والسلام عليكم ورحمة الله
اخوكم عبد الحبيب سالم مقبل
28 مارس 95م