آخر الأخبار

spot_img

وداعا صوت الحرية وداعا إلياس خوري

(بيروت) – “الثوري” :

غيب الموت ظهر اليوم الأحد الروائي والصحافي والمفكر اليساري اللبناني إلياس خوري، عن عمر ناهز 76 عاماً، بعد مسيرة أدبية وصحافية استمرت لأكثر من نصف قرن، كرّس خلالها قلمه للدفاع عن الحريات والعلمانية والقضية الفلسطينية، مؤمناً بدور المثقف في إحداث التغيير.

 

خوري، الذي وُلد في بيروت عام 1948، نشأ في بيئة متوسطة في منطقة الأشرفية، وشكّلت تجربته الشخصية ورؤيته للعالم حوله مصدر إلهام لكثير من أعماله. سافر إلى الأردن في نهاية الستينيات، حيث عاين عن كثب معاناة اللاجئين الفلسطينيين، وهي التجربة التي شكّلت حجر الزاوية في ارتباطه العميق بالقضية الفلسطينية.

 

بدأ خوري مسيرته الصحافية في السبعينيات، حيث تولى تحرير عدة مجلات وصحف ثقافية بارزة، أبرزها “السفير” اللبنانية، التي أدار فيها القسم الثقافي، كما أطلق الملحق الأدبي لصحيفة “النهار” عام 1992، والذي أصبح منصة هامة للحوار الثقافي والفكري في لبنان والعالم العربي، وبقي رئيس تحريره حتى عام 2007. لم يتوقف نشاطه عند ذلك، فقد تولى رئاسة تحرير مجلة “الدراسات الفلسطينية”، ما عزز من مكانته كمفكر عربي ملتزم بالدفاع عن القضايا الإنسانية والسياسية الكبرى.

 

لم يكن خوري مجرد كاتب يروي الأحداث من على الهامش؛ بل كان جزءاً من التجربة التي عاشها. خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975، شارك في المقاومة، وأصيب بجروح خطيرة. وفي كتاباته، استلهم هذه التجارب لينقلها عبر رواياته الشهيرة مثل “الوجوه البيضاء” و”رحلة غاندي الصغير”، حيث استطاع أن يروي بحساسية عالية وتشريح دقيق ما خلفته الحرب من جروح في الوجدان اللبناني.

 

أعماله الروائية امتدت إلى فلسطين، حيث قدّم تحفته “باب الشمس”، وهي رواية وثّقت معاناة الشعب الفلسطيني، ونالت استحساناً واسعاً وترجمت إلى عدة لغات، كما تم تحويلها إلى فيلم سينمائي عام 2004. روايته “أولاد الغيتو” أضافت بعداً آخر إلى هذا السرد، حيث أضاءت على تعقيدات الهوية الفلسطينية والعربية.

 

لم يكن خوري مجرد كاتب ورائي، بل لعب دوراً مؤثراً في الحياة الثقافية اللبنانية من خلال عمله كمدير فني لمسرح بيروت، كما أسهم في تأسيس حركة اليسار الديمقراطي في 2004. في كتاباته الصحافية، فتح صفحات “ملحق النهار” للمعارضة السورية، ودعم “ربيع دمشق” والثورة السورية، مما أضاف بعداً نضالياً آخر إلى مسيرته.

 

إلى جانب نشاطه الثقافي والسياسي، درّس خوري الأدب العربي الحديث في جامعات عالمية مرموقة، منها جامعة نيويورك، حيث عمل أستاذاً زائراً. وكان له إسهامات فكرية متعددة في المسرح، حيث كتب ثلاث مسرحيات، كما نشر سيناريوهات وكتابات نقدية غنية.

 

برحيل إلياس خوري، يفقد العالم العربي واحداً من أبرز أعمدة الأدب والفكر، تاركاً خلفه إرثاً أدبياً خالداً، سيبقى شاهداً على مسيرته النضالية والفكرية، وعلى إيمانه العميق بدور المثقف في مواجهة الظلم والدفاع عن الحق.