ملامح العناصر والمفردات التراثية في أعمال الفنان/ (عبد الجبار نعمان)*
الثوري – ثقافة/
د. حمود ناجي الضبياني:
بدأ الفنان التشكيلي عبد الجبار نعمان بداية مشواره الفني بالواقعية حيث ارتبطت أعماله بعناصر تراثية من البيئة المحلية، كالعناصر والمفردات المعمارية، والحياة اليومية وجماليات الزي الشعبي، ولم تتغير موضوعاته رغم الاتجاهات الفنية التي برزت في أعماله بعد الواقعية والتي تمثلت في الاتجاه التعبيري، “مستفيداً من معطيات التصوير الفوتوغرافي والتسجيل الحي لمظاهر الحياة الشعبية والريفية وذلك برؤية واقعية لا تخلو من مدارس العصر والاتجاهات الفنية المعاصرة”(1).

لتعكس ملامح مواضع أعماله جوانب عديدة من خصائص وجماليات حضارات تراث وطبيعة اليمن البيئي والثقافي التي برزت في تكوينات مواضيعه الفنية الشعبية.
ولقد لعب المكان دوراً كبيرا في تكوين شخصية الفنان ثقافياً وجمالياً فمدينة تعز التاريخية والجميلة وما تتميز به من روابي ومدرجات وفنون معمارية وأحياء شعبية مكتظة بالحركة اليومية”(2)

عززت للفنان الاستلهام لتلك المواضيع في أعماله الفنية. “فالفنان مارس الواقعية الرومانسية التي تمثلت في مواضيع الحياة الاجتماعية كنساء الأرياف بأزيائهن الشعبية والمناظر الطبيعية الريفية المتنوعة.

وفي الثمانينات اتجه إلى الرسم بواسطة ألوان (الإكريليك) مع تركيز واضح على الزخارف المتنوعة، واتسمت أعماله بما يسمى(الريكورتي). أما أعماله في التسعينيات فهي أقوى شكلاً ومضموناً”(3).

فكان من الضروري التجريب والخلط بين الاتجاهات والأساليب الفنية حيث ظهرت مواضيع كثيرة في تجاربه ومنها المواضيع البيئية والثقافية والحياة اليومية, حيث امتزجت هويته وأصالته بمواضيعه ليجعل من التراث طريقاً ومنهجاً نهل منه في تجاربه المتنوعة.
فلقد تجسدت موضوعات الفنان عبد الجبار المستمدة من التراث في الكثير من تجاربه متنوعة الاتجاهات الفنية “فالفنان يتابع تسجيل أهم ملامح البيئة اليمنية، المتمثلة في التراث المعماري، لكن ضمن معالجات بصرية تترجم الواقع جمالياً وتستلهم استعارات هندسية، تعتمد على تراكم الأشكال والسطوح فتصبح قالباً بنائياً للتكوين، يعكس منهجية أدائية واضحة لدى الفنان، نتيجة خبرة جمالية اكتسبها عبر تجربته الفنية الطويلة”(4).

حيث تتسم تمثيل المدينة اليمنية في أعمال الفنان ببانوراما عريضة من حيث تفاصيلها الرئيسية التي تتمثل في المنازل المتلاصقة ببعضها البعض, وبما تحتويه المدينة من مساجد ذات قباب ومآذن ذات أشكال وأنماط مختلفة، لتحمل وحدة عضوية توحي بمادة وروح وعبق المدينة، معطياً عمله منظراً متوازناً، تحمل رؤية محملة بالمفردات الجمالية دون التسجيل الحرفي له. كما يعمد إلى تأكيد نغمة وقيمة اللون وتخليصه من وظيفته التقليدية, ومنح أعماله ألواناً سحرية لا تشبه هيئتها المألوفة, تتحول بذلك المدينة إلى مدينة شفافة حالمة. كون المدينة هي الحل البصري التي اختارها الفنان لتوظيفها جمالياً في معظم تجاربه، بمعنى أن الفنان يمثل المنظر المعماري, وتفاصيل العمارة كقيم تشكيلية بحتة قائمة على تأكيد المعطى الروحي لها, والتي جاءت وفق الوصايا الجمالية.

ومن جملة ما اشتهر وميز به الفنان عبد الجبار نعمان استخدامه بعض العناصر المعمارية كالزخرفة والمأذنة والقبة وواجهة المنزل التقليدي والزخارف على الأزياء كتكوين أساسي لتشكيل موضوعه الإنشائي, أو كوحدة زخرفية تعبيرية جمالية, مركزاً على الزخارف وجعلها وحدة مصاحبة لتكوينات أشكاله عناصره ذات الأبعاد الحضارية والرمزية، والدينية، والاجتماعية. ففي لوحته (الإنسان والتراث) التي يقوم بناؤها من خلال احتدام المفردات المتمثل بالمرأة وأزيائها المزخرفة، ومفردات العمارة اليمنية كالنافذة والقمرية والمشربية والمئذنة والقبة والزخارف الهندسية والنباتية، ممعناً في استخدام الألوان التي تبعث حالة الشفافية، بمقاربة مشاهد اللوحة بتفاصيل من الألوان الحارة كالأحمر والبرتقالي والأصفر، والألوان الباردة كالأزرق والأخضر، يتخلق معها الشعور بالتبادل الإيقاعي بين المرأة بأزيائها المختلفة، والمدينة الملونة من خلال إبراز المفردات والموتيفات الشعبية التي تزين اللوحة بكاملها، وخطوطها الملونة منسكبة كشلال كما تشير هذه اللوحة إلى التبادل الإيقاعي بين الإنسان والمدينة محاولا خلق حالة من التوازن بينهما وبين المادة والإنسان ساعياً للحافظ على ماهية وشكل الإنسان، مؤكداّ بذلك وجود الأشياء بصورة ليست بمادية محضة وإنما بجانب لا مرئي من خلال التراث العريق للإبداع البشري المتجسد في كل ملامح الحياة الإنسانية.
ومن خلال ما سبق يمكننا القول أن الفنان سعى في أعماله الفنية لتحقيق غايته في التالي:
• تمثيل وتجسيد عناصر ومفردات التراث في أعماله الفنية بخصوصية شديدة من حيث التكوين والخامة المستخدمة، ليصل بالمتلقي إلى اكتشاف علاقة بخصوصية اللوحة بما تحمله من عناصر تراثية, مستعيناً بربط النسيج المعماري، والمرأة بأزيائها التراثية لتحمل مدلولات اجتماعية ونفسية وجمالية من عبق التراث، ومكوناً بذلك أسلوباً غير مباشر في التعبير باحثاً عن المقاصد الجمالية بما تحمله البيئة الثقافية وعلاقتها بالإنسان من أبعاد رمزية وفلسفية.
• يلجا الفنان إلى إضفاء طابع تزييني من خلال الزخارف والنقوش في كثير من أعماله، وخلطها بالمشهد الواقعي التعبيري ليحمل موضوعاته بعداً فلسفياً وتاريخياً وثقافياً ذا طابع تزييني زخرفي.
_______
هذا المنشور ملخص من ما تم دراسته عن تجارب الفنان عبد الجبار ضمن أطروحتي المعنونة (تأثير عناصر التراث في بناء العمل الفني التشكيلي الشعبي في اليمن).
الكاتب
________
(•) عبد الجبار أحمد نعمان- مواليد (1949م) تعز, وتوفي عام (2019م). تخرج عام (1973م) من معهد ليوناردو دافنشي بالقاهرة ليضيف تجربة أخرى للتشكيل اليمني. فنان أتقن الغوص عميقاُ في موضوعاته المتنوعة والغنية بعناصر التراث، يعد من مؤسسي الفن التشكيلي اليمني. كما يعتبر الفنان رائد فن الجداريات في اليمن، إذ لا تخلو القصور والمؤسسات الحكومية من وجود تلك الجداريات التي استلهم في موضوعاتها التراث بمفرداته الغنية والبيئة الجغرافية بحنكة. له العديد من المعارض الشخصية داخل الوطن, كان من أهمها معرضه الشخصي (بنات القمر), وله أربعين مشاركة جماعية داخل وخارج اليمن.
1- ناصر عبد القوي، الفن الشكيلي في اليمن, المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم، ط1،
2005م،ص. 31
2 – بتصرف: ينظر نفس المرجع، ص. 28
3- ينظر حكيم العاقل: دراسة (الحركة التشكيلية اليمنية)، مجلة الكتاب الثقافية، ع 2, الهيئة العامة للكتاب، صنعاء، 2005م ، ص.88.
4- أمنة النصيري: مقامات اللون، مقالات ورؤى في الفن البصري، وزارة الثقافة والسياحة، صنعاء، 2004م، ص.231.