الثوري – في الذاكرة/
عبدالجليل عثمان:
تمهيد
هناك شخصيات اجتماعية لها تاريخ نضالي واجتماعي نحن بحاجة إلى التعرف على سيرتها نتذكرهم بالحب والتقدير، ونتعرف عما قدموه لناسهم ومجتمعهم وما عانوه من ظلم ونكران.. وقد ظل هؤلاء شامخين بمواقفهم وهم نماذج أصيلة، وما يزال بريقهم لامعاً رغم ما تعرضوا له من النسيان والإهمال والتجاهل ومن هؤلاء الشخصية الإجتماعية والعلمية والفقهية والسياسية الوطنية القاضي عبدالمعين عبدالرحمن سلام الرباصي، الذى يستمد من تاريخه الوطني والاجتماعي لأكثر من ستون عاماً من العطاء، له تجربة غنية في العمل التعليمي الأولى في المعلامة والعمل الدعوى الديني المستنير ودوره في الدفاع عن الثورة والجمهورية وفي العمل الاجتماعي العام الخيري والتعاوني في اللجان التعاونية في المنطقة وفي إطار مجالس هيئات التعاون الأهلي فى الحجرية، ومن خلال مشاركته فى أحداث مهمة شهدتها المنطقة… هو أسطورة عصره ولا نستطيع أن نوجز ماقدم وما شارك فيه ولن نستطيع أيضا تحقيق ما كان يطمح إليه فقد كان أحد المهمومين بالقضاء على التخلف وفي الارتقاء بحياة الناس الاجتماعية وقد أخذ نهج الوسطية في معاملاته الاجتماعية ولم يعطي أي تمييز فى معاملاته وخدماته .. إنه بعيد عن التحيز وسلبيات الماضي.
عاش ولا يزال بعيدا عن الأضواء يتوارى عن الشهرة معتزا بتاريخه الوطني يتحدث بسعادة وببساطة مع الصغير والكبير برحابة صدر.
إنه يمثل مدونة نضالية متفردة في مديرية الشمايتين والمديريات المجاورة وروحاً نضالية وتعاونية لازالت مأثرها باقية وخالدة.
أولاً – عبدالمعين عبدالرحمن سلام القاضي
من مواليد عام 1940م فى الربيصة مديرية الشمايتين.
الحالة الاجتماعية متزوج وعدد الأولاد (5) ذكور (3) إناث (2)
عندما بلغ من العمر ست سنوات كان أول (رهينة) عن الربيصة في عهد الحكم الملكي الإمامي الوراثي المستبد، والذى كان يأخذ الاطفال رهائن من العزل ويضعهم فى سجونه الخاصة (قلعة القاهرة والعرضي فى تعز) ويتذكر بعض الاشخاص من المناطق المجاورة ممن كانوا رهائن الى جانبه:
1- المرحوم محمد أحمد علوان البناء من صبران 2- المرحوم عبدالولي أحمد سيف الشرجبي 3- المرحوم سعيد غيلان سعيد الحكيم الشرجبي وآخرون وذلك لضمان ولاء القبيلة وإذلالها وعدم التمرد من حكمه البغيض.
ثانياً – المؤهلات العلمية
١-درس في قلعة القاهرة مبادي القرأة والكتابة على الطريقة البغدادية علوم القران والنحو والتجويد.
٢- تلقى تعليمه الاولى عند والده المرحوم القاضي عبدالرحمن سلام ثم تدرج فى التعليم عند الفقهاء المرحوم نعمان قاسم المدحجي والمرحوم محمد سلام عون الأكحلي والمرحوم عبدالواسع حيدر الشرجبي من نفس المنهج على الطريقة البغدادية وكان هؤلاء الفقهاء مدرسين في كتاتيب ومساجد المنطقة عن طريق الإمامة ويستلمون منها رواتب شهرية.
٣- تمكن في بداية السبعينات من الاعتكاف لفترة طويلة استطاع فيها حفظ القرأن الكريم كاملا.
٤- حصل في بداية السبعينات على معادلة شهادة الثانوية العامة عند تعيينه مدرساً في المخادر ثم في مدينة السدة/ محافظ إب عام1971م
٥- حصل على ليسانس في العلوم الاجتماعية في موسكو عام 88م مقدما بحثا حول( الحركات الاجتماعية فى الاسلام).
ثالثاً: محطات نشاطه السياسي
١- انتسب إلى منظمة البعث العربي الاشتراكي عام 1962م بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م مباشرة وكان عضوا فى اول خلية حزبية فى مدينة التربة قضاء الحجرية بقيادة المناضل الاعلامي في التربة/ عبده سلام سعيد الشرجبي وكانت الخلية تظم عبدالكريم النجاشي ومحمد الزقيحي وثلاثة من عمال المهن الحرة وبعض الطلبة لم يعد يتذكر اسمائهم، وكان للمنظمة مقرا مستأجرا فى التربة.
٢- تدرج تنظيميا في وضع قيادى في المنظمة لقيادة خلايا في عدد من العزل منها الربيصة والتربة وشرجب وبني غازي والأكاحلة والقريشة وأغلب أعضاء تلك الخلايا كانوا من الطلاب.
٣- تفرغ للعمل النضالى والاجتماعي والتعاوني طيلة سنوات طويلة تطوعيا وضل معتمدا على نفسه في نشاطه المشار اليه.
٤- له مشاركات مختلفة في تحشيد المتطوعين في الدفاع عن الثورة والجمهورية وحشد الجماهير للدخول الى تعز فى استقبال الرئيس المشير عبدالله السلال وفي فتح مركز للمقاومة الشعبية في مدينة التربة لتدريب الشباب والمتطوعين في المقاومة الشعبية من قبل الضابط الرفيق عبدالواسع عبدالله صالح قائد المنطقة، وارسالهم الى صنعاء للمشاركة فى الدفاع عن الثورة.
رابعا: التعرض لأعمال القمع والاضطهاد
1 – اعتقل مرتين في أعوام 72-73م من قبل جهاز الأمن الداخلي بقيادة محمد خميس.. الإعتقال الاول بعد عودته من التدريس في مدينة السدة لواء إب عام 72م.. والثاني في يونيو 73م بعد اغتيال الشيخ محمد على عثمان عضو المجلس الجمهوري حيث جرى فى حينه اعتقال المئات من القوى الوطنية المختلفة فى تعز وصنعاء والكثير من المطاردين. وقد التقى في سجن ( الشبكة) في تعز بالرفيق عبدالقادر سعيد طاهر وعبده سيف راجح وقهوجي وأحمد عبده غانم واخرين وكانت الاعتقالات التعسفية بهذه الفترة من حكم القاضي عبدالرحمن الارياني رئيس الجمهورية، التى استهدفت الكثير من رموز الحركة الوطنية اليسارية والقيادات النقابية والمثقفين والضباط العسكريين الذين شاركوا في الدفاع عن الجمهورية وتم تسريحهم من الجيش والأمن في أحداث أغسطس 68م وفي السنوات اللاحقة لها، كما شملت حملات الاعتقال مواطنين عاديين لمجرد الاشتباه بأنتمائتهم السياسية، اوتلفيق تهم كيدية عليهم. ومن الطرائف التى ذكرت أنه التقى بسجن الشبكة بالقاضي عبدالوالي اسماعيل قاضي محكمة حيفان وهو الأخ الأكبر للمناضل عبدالفتاح اسماعيل، وكان اعتقاله بسبب استقبال أولاد أخيه الصغار وأمهم الذين وصلوا من عدن في زيارة اهلهم فى الاعبوس.. فكتب القاضي عبد الوالى اسماعيل رسالة تظلم لرئيس الجمهورية القاضي عبدالرحمن الإرياني، فرد عليه (إن قضية سجنكم ليس من لدينا) ثم أرسل رسالة أخرى الى رئيس الجمهورية يطلب فيها حذف اسم اسماعيل منه ( أى ان يسموه عبدالوالي الحمدي). وكان حينها المقدم الشهيد ابراهيم الحمدي نائبا لرئيس الوزراء لشئون الامن… ويتولى الاشراف على جهاز الاستخبارات وهو الذي أمر باعتقاله.
2 – تعرض للملاحقة ومحاولة الاعتقال من قبل جهاز الأمن الوطني فى أحداث الحجرية عبدالله عبدالعالم قائد المضلات عام 1977م وأصيب بفقدان طبلة الأذن اليسرى من جرى القصف المدفعي لقوات الجيش من قلعة المقاطرة على طرق النزوح الى الجنوب.
3 – عاد إلى قريته بموجب قرار العفو العام عام 1979م عبر وساطة الشيخ احمد سيف الشرجبي.
4 – تعرض لمحاولة اعتقال فى عام 1983م وتمكن من الإفلات منه والاختفاء لمدة سنتين.
5- اعتقل بعد عودته من الدراسة في الخارج في النصف الثاني من عام 1989م من قبل جهاز الأمن السياسي فى تعز واستمر الى مايو1990م عند تحقيق الوحدة اليمنية.
6 – شارك فى عملية التحول التى شهدتها منظمة فرع البعث في اليمن والتحضير لانتقالها الى حزب الطليعة الشعبية فى شمال اليمن وجنوبه في عقد مؤتمرى المنظمة في يناير 1973م وابريل 1974م. وظهور روح الاستقلالية عن المركز القومي، والذى أعلن فيهما التخلي عن افكار البعث الايديولوجية والسياسية والتنظيمية وانتقلهما الى نظرية الاشتراكية العلمية، وتم فك الارتباط بالقيادة القومية لحزب البعث في سوريا، وقد لعب كوادر منظمة البعث في اليمن خاصة الطلاب في القاهرة وسوريا والعراق دورا بارزا فى انضاج هذا التحول النوعي الى جانب القيادة التاريخية من يسار البعث في اليمن والتخلص من العناصر اليمينية التى عوقت تقدم ونمو فرعي المنظمتين بعد قيام حركة 22 يونيو 1969م التصحيحية في الجنوب وتقدمت منظمة يسار البعث في الجنوب ببرنامج (نحو جبهة وطنية ديمقراطية ) في التحالف بين يسار البعث والجبهة القومية واتحاد الشعب الديمقراطي، وجرت حوارات لسنوات توجت في وحدة فصائل العمل الوطني في جنوب الوطن وقيام الحزب الاشتراكي اليمني في اكتوبر 1978م.
7 – شارك في المؤتمر الثالث والأخير لحزب الطليعة الشعبية في شمال الوطن في فبراير 1979م والذى توحد ضمن أحزاب اليسار الخمسة في شمال الوطن تحت أسم “حزب الوحدة الشعبية اليمني” في 9 مارس 1979م كفرع للحزب الاشتراكي اليمني.
8 – شارك فى عملية توحيد فصائل العمل الوطني الخمس في الشمال فى ترتيبات القيادات المحلية فى قيادة المركز الاول (التربة) في فرع الحزب (حزب الوحدة الشعبية فى ج.ع.ي.).
9 – تولى دائرة العمل الجماهيري في قيادة منظمة الحزب في المنطقة الغربية من الحجرية والتى تظم (مديريات الشمايتين والمقاطرة والمواسط وسامع).
10- شارك فى إعادة بناء منظمات الحزب بعد الوحدة اليمنية فى مديرية الشمايتين فى 3/ 1991م وانتخب عضوا فى قيادتها ومندوبا في المؤتمر الاول لمنظمة الحزب فى المحافظة.
11- انتخب سكرتيرا أول لمنظمة الحزب بمديرية الشمايتين في مؤتمر الثاني عام 2003م بعد التقاعد من القضاء.
خامسا: أبرز المحطات فى نشاطه الوطني والاجتماعي.
1 – كان أبرز الناشطين في العمل الخيري والتعاوني منذ النصف الأول للستينات ابتداء بالجمعيات الخيرية فى المنطقة، التى بادرت من قبل روادها الأوائل في عدن بالمبادرة بتوفير الامكانيات المالية والمادية لبناء مدرسة الجيل الجديد في المنطقة وبمشاركة اللجنة الفرعية بالمنطقة والاهالى في المال والجهد العيني في العمل.
2 – كان احد اعضاء اللجنة التعاونية في بناء المدرسة عام 63م ثم في بداء التدريس فيها عام68م وتولى ادارتها في السبعينات. وشارك في اول مجلس للأباء في المدرسة.
3- كان ضمن المتطوعين من مناطق الحجرية فى المشاركة في المقاومة الشعبية فى الدفاع عن الثورة والجمهورية فى كسر حصار الملكيين على صنعاء المعروف في ( حصار السبعين يوما فى نوفمبر 1967 – فبراير 1968م) في فك طريق تعز – صنعاء عبر طريق الحديدة – متنه في يناير 1968م.
4- عمل فى اللجان التعاونية فى بداية السبعينات والتي انتشرت في مختلف عزل وقرى الشمايتين والمقاطرة والمواسط وسامع في العمل التعاوني من خلال المبادرات الأهلية .. حيث بادر الأهالى وبجهود ذاتية لإنجاز الكثير من المشاريع فى شق الطرق وفى بناء المدارس وفى ترميم السدود وتحسين ينابيع المياه وبناء المستوصفات وكان أحد المشاركين فى بناء مستوصف الحصاحص وتحمل جزء من تكاليف بنائه.
5- شارك فى تجربة التعاون الأهلى للتطوير فى هيئة تطوير الحجرية كأول هيئة تطوير فى شمال الوطن منذ بداية السبعينات كون التجربة تمثل تجاوزا لمأساة حرب الدفاع عن الجمهورية، والتى ازدهرت في منتصف السبعينات بدعم وتوجية الشهيد ابراهيم الحمدي.
6 – تميز العمل التعاونى بهذه الفترة في ترسيخ واعادة القيم التعاونية الاصيلة بين الناس رغم الظروف الصعبة، والتي أمكن التغلب عليها بالعمل التعاوني أكانت من خلال اللجان التعاونية والخيرية في الستينات أم من خلال هيئات التعاون والتطوير الاهلى في نواحي (الشمايتين والمقاطرة والمواسط وسامع). وكان دور المجتمع ذات أهمية كبيرة كون أن التجربة يمنية خالصة، وهى تعبير أصيل عن قيم اجتماعية وتاريخية. وكان القاضي عبدالمعين مسؤول وحدة الشق التى قامت بشق العديد من الطرق الرئيسية والفرعية وفي أكثر المناطق وعورة ومنها طرق في بني حماد وطريق التربة الربيصة والأكاحلة وشرجب والصحى وهيجة العبد وطرق أخرى في المواسط وسامع، وكان الشق الأولي في الطرق والمشاريع الأخرى المشار إليها يتم بجهود ومبادرات ذاتية تطوعية من قبل المواطنين حيث يتحملون حوالى 90% من التكلفة وذلك فى خدمة أنفسهم بأنفسهم، وكان مايقدم من الدولة هو الربع من تحصيل الزكاة ثم النصف منها أى 50% لصالح العمل التعاوني.
“لقد خسر المجتمع ظاهرة العمل التعاوني وهي أسلوب لبناء التنمية وهى لا غنى عنها من أجل خروج اليمن من محنته وتخلفه وفي سبيل التخلص من الحروب والكراهية والخراب.”
7 – كان له دورا في تنفيذ ترميم مياه المدهه القديم ومتابعة بناء خزان لتجميع مياه المدهه من الصندوق الاجتماعي والذي يخدم الربيصة والقرى المجاورة.
8 – كما شارك الأستاذ عبدالمعين عبدالرحمن في لجنة تأسيس مشروع مياة الثورة وكذلك فى مشروع مياه الوحدة الأخير.
9 – انتخب رئيسا للجمعية الخيرية التنموية في الربيصة لفترات مختلفة فى العقود الاخيرة.
10 – عمل في الجانب الدعوى كخطيب مفوه ومرشد اجتماعي في مساجد المنطقة، ومصلحاً اجتماعياً لحل مشاكل ومنازعات المواطنين واختياره عدلاً لعزل الربيصة لفترة طويلة فى السبعينات.
سادسا: الوظائف والمهن والخبرات العملية.
١- عمل مدرسا فى مدرسة الجيل الجديد في المنطقة عند افتتاحها ومديرا للمدرسة.
٢- عمل مدرسا في منطقة المخادر ومدينة السدة في محافظة اب في الاعوام 71-72م.
٣- عمل موظفا في وزارة الشئون القانونية في عدن وصنعاء عام 90- 91م ثم قاضيا لقسم التنفيذ في محكمة الحجرية بالتربة حتى عام 2003م.
٤- عمل لفترة طويلة ولايزال أمينا شرعيا في حل المنازعات والقسام والعقود الشرعية.
٥- تقاعد من الخدمة في القضاء من ( محمكة الحجرية) عام ٢٠٠٣م دون ان يحصل على حقوقه الوظيفية كاملة.
سابعا – أبرز الاهتمامات والمواهب:
التعمق فى الفقه المستنير الذى لا ينفر المجتمع ويرفض التنطع والتطرف والغلو وخلق الالفة والمحبة فى المجتمع.
كما يثنى على الفقه القديم للامام الشوكاني وابن الامير اليمنيين اللذان لم يقبلا مسمى اغلاق باب الاجتهاد حيث يريان أن باب الاجتهاد مفتوح ولا يحق لأحد اغلاقه كما يثني على فقه المفتي محمد اسماعيل العمراني رحمة الله عليهم اجمعين.
درس فى موسكو أربع سنوات فى المعهد العالي للعلوم الاجتماعية مع الرفاق الاديب الشاعر د سلطان سعيد الصريمي والباحث الاستاذ قادري أحمد حيدر والفقيد أحمد العليمي وطه الزريقي. وارتبط بعلاقة حميمة مع المناضل العميد محمد طربوش سلام والعميد عبدالواسع عبدالله صالح..
في الأخير
لا يسعنا إلا أن نثني عليه وعلى زوجته الكريمة أم نشوان التى كانت خير شريك له في جميع محطات نشاطه السياسي والاجتماعي وقد واجهت الكثير من المعاناة والمتاعب والمأسي في الوقوف الى جانبة وهو الاخر يذكرها بالعرفان والحب بما قدمته إلى جانبه وما قامت به من رعايته للأسرة على افضل مايرام ومشاركتها فى النضال فى مختلف المراحل.
تحية وفاء للقاضي عبدالمعين وزوجته أم نشوان متمنين لهما موفور الصحة والعافية وطول العمر.
2023/11/27م