الثوري – كتابات/
جابر علي أحمد:
سأستهل هذا المنشور بما قاله الأستاذ الكبير الراحل عبدالله البردوني حول النقد، حيث أكد على: ” أننا بحاجة الى من يرينا عيوبنا أكثر ممن يطري احساسنا”.
ما دفعني إلى كتابة هذا المنشور وأعز ذاتي بضرورة تبيان ما أراه حيوياً في ظل خملات تروج دون وعي لمصطلح (السيمفونيات التراثية).
وكمدخل للموضوع أود الإشارة إلى أنني سمعت عن محمد القحوم عام ٢٠١٨، عندما كنت في ضيافة السفير العماني (رياض مكي) في ماليزيا حيث التقيت في منزله بالسفير اليمني في ماليزيا الأستاذ عادل باحميد، وسمعت منه خبر التحضير لزيارة فنية كبرى سيقدم خلالها محمد القحوم أعمالاً أوركسترالية.
وفي العام ٢٠١٩ تداولت وسائل التواصل الإجتماعي خبر عرض موسيقي قدمته الأوركسترا الحضرمية بقيادة محد القحوم. يومها تساءلت: وهل توجد أوركسترا في حضرموت؟ ومع متابعة ما جرى عرفت أن قوام هذا الأوركسترا عازفون من بلاد شتى ومعهم عدد من المؤدين الحضارمة مختصين بعزف آلات إيقاع ونفخ شعبية وعازف عود واحد.
والسؤال الآن: هل يجوز إطلاق هذه التسمية على قوام ينتسب اعضاؤه إلى دول مختلفة؟ من الواضح ان التسمية فيها الشيء الكثير من البروباجاندا، إذ أن تحديد نسبة أي أوركسترا يعتمد على قوام مواطني منتسبيه والمكان الذي تأسس فيه مشروع كهذا.
” مقارنة “
عندما تأسست الأوركسترا السيمفونية العمانية عام ١٩٨٥، اعتمدت على شباب عمانيين من الجنسين تم اختيارهم بعناية فائقة ثم خضعوا لتدريسي منهجي موسيقي أهّلهم للحصول على شهادات متنوعة من المؤسسات الأكاديمية التي تولّت التخطيط والتأسيس لهذا المشروع المستدام برعاية مباشرة من السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله. تخصص هذا الأوركسترا لعزف السيمفونيات والكونشرتات. من هنا جاءت تسمية هذه الفرقة بـ( الاوركسترا السيمفونية العمانية ).
وبالعودة إلى النشاط اللاحق لمحمد القحوم نجده في دار الأوبرا بالقاهرة يقدم عرضا بعنوان (السيمفونيات التراثية)، متخلياً عن ما أسماه في ماليزيا بـ( الاوركسترا الحضرمية ).
والآن ماذا قدم في القاهرة؟ هل قدم أعمالاً سيفونية تتناسب مع التسمية؟
للإجابة عن ذلك دعونا نعرّف ماهية السيمفونية. فهي -كما درسناها- عمل موسيقي آلي كبير للأوركسترا الكامل ذا منشأ أوروبي ويتكون من أربع حركات تتفاوت في السرعات وفي السياقات الجمالية والعاطفية وفقا للصيغة التي تميز كل حركة.
ظهر قالب السيمفونية في القرن الثامن عشر، ومعه تكاملت الآلات المكونة للأوركسترا على النحو الذي نراه ونسمعه في الأوركسترات السيمفونية العالمية في الوقت الحاضر.
والآن ماذا قدم محمد القحوم في ما أطلق عليه بالسيمفونيات التراثية؟ من الواضح أنه قدم أعمالاً تراثية مجمعة لا رابط بينها، وهذا التجميع الكمي للمواد التراثية لا يجيز استخدام مصطلح (السيمفونية) عليه!
قد يقول قائل: أن القحوم أخضع المواد التراثية لمعالجات بوليفونية وهارمونية كالتي نسمعها في مختلف السيمفونيات. وهنا أود الإشارة إلى أن كل القوالب الموسيقية الأوروبية الغنائية منها والآلية تخضع لمعالجات كتلك مع اختلاف في الدرجة والنوع تتحدد بها الفواصل بين القوالب المختلفة. هكذا سار خط الحياة الموسيقية في أوروبا، وهو خط يتوازى مع الخط الذي سار عليه سياق الموسيقى العربية.
” القيادة “
يقدم محمد القحوم نفسه كقائد أوركسترا. ويعلّم دارسوا الموسيقى أن القيادة ليست مجرد مسك عصا وتحريكها أمام الفرقة فقط. فقيادة الأوركسترا هي السيطرة على المجاميع الموسيقية المكونة للأوركسترا. وهذه السيطرة لا تحدث كيفما اتفق، بل تكون نتيجة جهد دراسي شاق يتلي فيه القائد دروساً في البولوفوني والهارموني وعلم الكتابة للآلات الموسيقية، وفوق ذلك يغوص في تفاصيل علم الجمال الموسيقي حتى يكون قادراً على قيادة العمل قيادة نوعية تعكس رؤيته للعمل الذي يقوده.
“من هنا يأتي الاختلاف بين أداء وآخر لسيمفونية مؤلفها واحد. وفي هذا الاختلاف يكمن سحر عصا المايسترو”
أما محمد القحوم فقد فوجئت وأنا أتابعه في حفل القاهرة على اليوتيوب بأن عازف البيانو الذي انضم إلى الفرقة (حسب الدور) عزف الآلة دون إشارة من القحوم، فما كان منه إلا أن ابتسم واستأنف تحريك العصا!!
” وماذا بعد؟ “
يبدو أن محمد القحوم يتمنى فعلاً تقديم شيء للموسيقى اليمنية ولكنه دخل لتنفيذ هذه الرغبة من الباب الخطأ، بمعنى أنه لم يؤهل نفسه تأهيلاً حقيقياً لخوض هذه المغامرة. فعلى صعيد سيرته الذاتية لم نعرف عنه إلا كونه أسس شركة (صدى الإبداع للإنتاج الموسيقي) عام ٢٠٠٦م، مع أنه خريج كلية هندسة مدنية من جامعة حضرموت. وهناك حديث عن دورات موسيقية تلقاها دون تحديد ماهيتها!
إذاً ثمة شكوك تحيط بالمؤهلات العلمية الموسيقية لمحمد القحوم. ويبدو أن ( مؤسسة حضروت للثقافة ) تماهت مع رغبة القحوم وزودته بالمال اللازم لتغطية نشاط كهذا.
وهنا ينتصب سؤال: ألم يكن من الأجدى توجيه الإهتمام إلى إعادة الحياة إلى (معهد محمد جمعة خان للفنون الجميلة)، باعتباره بنية تحتية معنية بالتأهيل الموسيقي؟ أما عن الكوادر الموسيقية اليمنية القادرة على التدريس فهي موجودة ولكن خارج دائرة الرعية. بعض من هذه الكوادر ممن تخرجوا من معهد جميل غانم للفنون الجميلة، ويعملون الآن في الفرق الموسيقية الخاصة في الإمارات، وآخر من رحل من هذه الكوادر عن المعهد هو عبد العزيز مكرد، حيث يمارس مهنة التدريس الآن في أحد المعهد الخاصة في السعودية.
أما من تأهلوا تأهيلاً موسيقياً مكنهم من التألي الموسيقي والقيادة فهم على النحو التالي:
حسين عبد القوي (من يافع)
درس في الأكاديمية الملكية البريطانية وحصل منها على البكالوريوس والماجيستير في القيادة والتأليف الموسيقي، وللعلم فإن هذا الموسيقي هو من قام بتوزيع السلام الوطني للجمهرية اليمنية بعد أن لحنه الفنان أيوب طارش. والأمر المؤسف أن الإعلام اليمني نسب حق التوزيع لفنان يمني آخر لا ناقة له في الموضوع ولا جمل! توفى هذا الاكاديمي عام ٢٠١١م دون أن تستفيد منه اليمن الإستفادة اللازمة.
محمد علي السعيدي (من ريمة)
خريج معهد الموسيقى العسكرية بصنعاء، ثم ابتعث إلى روسيا لدراسة علم القيادة.
أيوب محمد الكهالي (من إب)
خريج معهد الموسيقى العسكرية بصنعاء، ثم ابتعث إلى روسيا لدراسة التأليف الموسيقي والقيادة.
الدكتور أنور عبدالخالق (من عدن)
حصل على بكالوريوس من معهد كروبسكايا بالإتحاد السوفيتي السابق، ثم حصل على الماجستير والدكتوراة من نفس المعهد. توفى ٢٠١٦م وفي نفسه غصة من المصير الذي وصل اليه اليمن.
فاروق فخري (من الحديدة)
حصل على بكالوريوس من قسم التربية الموسيقية بكلية الفنون الجميلة بالحديدة، وواصل تحصيله العلمي الموسيقي الذاتي إلى أن أصبح ضليعاً في هذه العلوم: “الكونتربوينت” – “الهارموني” – “الكتابة للآلات الموسيقية”. ويجتهد الآن في السيطرة على علم القيادة الموسيقية بوسائله الخاصة. وللعلم فقد توفق في تأسيس فرقة موسيقية نحاسية يقوم هو بقيادتها.
تلك أسماء على درجة عالية من الكفاءة الموسيقية ولكن في وطن يعيش في دوامة سياسية منذ العام الذي تم فيه الإلتفاف على ثورة الشباب المدنية، حيث مازلنا نعيش تفاصيل ذلك الإلتفاف.