آخر الأخبار

spot_img

“الثوري”.. ذاكرة الصحافة وضميرها الحي

“صحيفة الثوري” – كتابات:

شوقي نعمان

في الذكرى الثامنة والخمسين لتأسيس صحيفة “الثوري”، الصحيفة التي كانت ولا تزال مدرسةً صحافيةً لا يمكن تجاوزها.

ثمانيةٌ وخمسون عاماً من الحبر، من الذاكرة، من العناد الجميل في وجه العتمة.
ثمانيةٌ وخمسون عاماً من الوفاء لفكرة الصحافة بوصفها مسؤوليةً أخلاقيةً وموقفاً من أجل الإنسان.

لصحيفةٍ جمعت النخبة والمثقفين والكتّاب من مختلف المشارب، لا لشيء سوى أنهم آمنوا بأن الكلمة مسؤولية، وأن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع.

منذ صدورها الأول، كانت الثوري تحمل وعي جيلٍ بأكمله، وتشعل في قلوب القرّاء شرارة السؤال والرغبة في التغيير.
فمن صفحاتها تخرّج الصحفيون، وتكوّنت الأقلام الحرة، وتشكلت الملامح الأولى للصحافة التقدمية في اليمن.

كانت، وما زالت، صحيفةً تكتب بمسؤولية الوعي لا بمزاج السياسة، وتنتصر للإنسان أينما كان؛ للفقير والمظلوم، للعامل في المصنع، وللمعلم في قريته، وللمرأة التي تحمل على كتفيها أعباء وطنٍ بأكمله.

لا يوجد ما يمكن قوله أمام مؤسسةٍ صحفيةٍ وفكريةٍ كهذه، سوى أن نرفع أسمى التحايا والتهاني لواحدةٍ من أعرق منارات الصحافة الوطنية والتقدمية في اليمن، التي ناضلت لأجل الفكرة والدولة والمساواة وقيم التعايش في كل حرفٍ تكتبه، وفي كل مساحةٍ تقسمها بين كتّابها الشجعان.

لا أحب أن أكتب بلغة الإطراء والمديح، لأنه لا يوجد أحد لا يعرف صحيفة “الثوري”، ومن لا يعرفها فهو بالكاد لا يعرف الصحافة الحقيقية، ولا الكتّاب والنخبة، ولا قضيتها الحرة التي شقّت طريقها لتسابق الزمن.

فمن كان يحصل على مساحة نشرٍ في “الثوري”، فقد حصل على تكريمٍ ضمنيٍّ وواضح، ليس لأنها تمنح مقابلاً أو شهرة، بل لأنها الصحيفة التي رسّخت مفهوم الفكر التقدمي، والتحرر من العبودية، والانتصار لقيم الإنسان.

ولا نستطيع أن نعدّد الأسماء والشخصيات التي تتربّع على عرش الصحافة الفذّة منذ المنذر الصريمي، وعبدالباري طاهر، وعلي الصراري، وصولاً إلى خالد سلمان، والكثير من الأسماء التي لا تغيب عن الذاكرة.

لم تكن “الثوري” يوماً صحيفةً حزبيةً ضيقة، بل كانت بيتاً كبيراً، ومنصّةً صحفيةً ومؤسسةً فكريةً لكل الأحرار والمناضلين والصادقين، ولكل الشباب، ولكل من يحمل قيم العدالة وصدق الكلمة وعدالة الموقف.

هي الصحيفة التي تنبأت بـ“أيلول الأسود”، وظهرت بعناوينها الصادحة بكل قيم العدالة والحرية والمساواة، وقرأت المشهد السياسي والاجتماعي بعمقٍ وجرأة، وتنبأت بزمن الانكسارات منذ ذلك الحين، وأطلقت مقالاتها الصادحة لتدافع عن قيم الثورة والجمهورية والحرية، في وقتٍ كان فيه الصمت أشبه بالنجاة.

في عيد تأسيسها، نرفع التحية مرةً أخرى لكل من عمل وكتب وحرّر ووزّع وأوصل صوت “الثوري” إلى القرّاء، لكل من آمن بأن الصحافة ليست مهنةً بل رسالة.

كنت شاباً من أولئك الذين يقرأون “الثوري” وأشعر بالفخر، ولا زلت من الذين يؤمنون بأن الكلمة الحرة قادرة على إعادة بناء الوعي مهما تكالبت العواصف.