آخر الأخبار

spot_img

عن الانفصال والجنوب العربي!!؟

“صحيفة الثوري” – كتابات:

محمد عبد الرحمن
………………………………….

المشكلة بنظري ليست في الوحدة بحد ذاتها، ولكن المشكلة هي في الصيغة الحالية للوحدة.
ليست المشكلة في حق الجنوب بتقرير مصيره بطريقة سلمية، وبتوافقات كافة مكوناته السياسية والاجتماعية والثقافية، ولكنها في الانفصال الملتبس.

وبصورة أوضح نقول:
إن الوحدة وإن كانت مكسباً مهماً، إلا أن الوحدة بصيغتها الحالية غير قابلة، ولم تعد قابلة للاستمرار. ولذلك فالمطلوب بنظري إعادة صياغة الوحدة ودولتها في دولة اتحادية يكون الجنوب – كإقليم واحد وموحد – شريكاً رئيسياً في كافة هيئات السلطة العليا بنسبة 50% خلال مرحلة انتقالية مدتها من 8 إلى 10 سنوات.

الانفصال وتقرير المصير حق مشروع، فهو حق إنساني أصيل من حقوق الإنسان، ولذلك فهو حق للجنوب كما هو حق للشمال.

ولكن الانفصال كحق فهو أيضاً التزامات، لضمان حقوق الآخرين، وهو إجراءات تنظم هذا الانفصال وتنظم حقوق الآخرين المترتبة عليه.

ولذلك فإن انفصال الجنوب وحقه في تقرير مصيره، وبعد 35 عاماً من دخوله في وحدة اندماجية مع الشمال، يتطلب شروطاً وإجراءات مكثفة تنظمه وتضمن تحقيقه. ومن ذلك:
استعادة الدولة التي كان الجنوب طرفاً فيها، والسلطة الشرعية التي سيتحاور معها ممثلو الجنوب وسيتفقون معها على تنظيم عملية الانفصال، ومرحلة انتقالية محددة زمنياً، ثم استفتاء شعبي في الجنوب، أي للشعب في الجنوب، حول تقرير مصيره، وإجراءات تنظم عملية هذا الاستفتاء الشعبي وتضمن الحقوق المترتبة على نتائجه.

ومن ذلك حق المطالبين بالانفصال وتقرير المصير للجنوب في الاستمرار بطرح هذا المطلب والعمل السياسي السلمي لتحقيقه، في حالة كانت نتيجة الاستفتاء غير صالحة لهم، أي لم تحصل على النسبة المطلوبة للانفصال وتقرير المصير، والعكس أيضاً بالنسبة لحق من صوتوا ضد الانفصال في الاستمرار بدعوتهم للوحدة والعمل السياسي السلمي لتحقيقها.

وهنا نعود للجزء الثاني من عنوان هذا المنشور، أي للجنوب العربي.
نرى أن من حق أبناء الجنوب اختيار التسمية المناسبة لدولتهم بعد الانفصال وتقرير المصير، بما في ذلك حتى مسمى الجنوب العربي.
ولكن من المهم إدراك عدد من الحقائق ذات الصلة هنا:

  1. إن الهروب – ومن الآن – إلى مسمى الجنوب العربي لا يساعد ولا يسهل من عملية تحقيق الانفصال وتقرير المصير للجنوب. وفي الوقت نفسه، فإن التمسك بحقيقة يمنية الجنوب لا يمنع ولا يعرقل أبداً عملية تحقيق هذا الانفصال. فتمسك الحركة الشعبية لتحرير السودان بسودانية جنوب السودان وبالهوية السودانية للجنوب لم يمنع ولم يعرقل حق الجنوب في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة – جمهورية جنوب السودان.
  2. إن التبرير لعملية الهروب من يمنية الجنوب، والهرولة غير المبررة وغير المنطقية نحو مسمى الجنوب العربي بالقول حتى لا يبقى الجنوب تابعاً لمتبوع، وفرعاً لأصل، قول غير صحيح ومردود عليه.
    فاليمن جغرافياً وديموغرافياً هو الجنوب والشمال، واليمن سياسياً قبل الوحدة بين الجنوب والشمال كان جمهورية اليمن الجنوبية ثم جمهورية اليمن الديمقراطية، والجمهورية العربية اليمنية.
    وبالتالي لم يكن الشمال هو الأصل بل دولة مستقلة وذات سيادة منذ عام 1918 إلى عام 1990، والجنوب لم يكن فرعاً بل دولة مستقلة وذات سيادة منذ عام 1967 إلى عام 1990.
    كما أن مسمى الجنوب العربي لا يحقق الأصالة للجنوب، ولا يحرره من التبعية المزعومة، أي من كونه فرعاً لأصل، بل سيكون فرعاً لأصل أكبر.
  3. لم تنشأ هوية سياسية أو ثقافية للجنوب عبر تاريخه تحت مسمى الجنوب العربي. فعمر مسمى الجنوب العربي لا يزيد عن أربع سنوات، من عام 1962 إلى عام 1967. كما أن اتحاد إمارات الجنوب العربي لم يكن التجسيد السياسي والإداري الموحد للجنوب، أي لخارطته الجغرافية والديموغرافية، بقدر ما كان يضم حوالي 20% من مساحة الجنوب (55 ألف كم²)، وحوالي 20% من سكان الجنوب آنذاك (550 ألف نسمة).
    بينما عمر الدولة اليمنية الجنوبية 23 عاماً، ومساحتها 330 ألف كم²، وعدد سكانها 2 مليون و500 ألف نسمة.
    ودولة الجنوب اليمنية – أي جمهورية اليمن الجنوبية ثم جمهورية اليمن الديمقراطية – كانت التجسيد السياسي والإداري الموحد لكافة جغرافيا وديمغرافيا الجنوب وللهوية الجنوبية اليمنية.
    وبالتالي فإن الهوية السياسية الموحدة للجنوب عمرها 23 سنة فقط، وقبل ذلك لم يكن الجنوب موحداً لا جغرافياً ولا ديموغرافياً فضلاً عن السياسي، بل مجزأً إلى أكثر من 23 إمارة وسلطنة ومشيخة.
  4. إن الهوية اليمنية للجنوب عميقة في ثقافة وأدب وفن ووجدان أبناء الجنوب، وحتى دعاة الجنوب العربي لا يزالون يرددون مسمى الشمال أي شمال اليمن، ولم تفلح كافة المحاولات لاستبدالها بلفظ اليمن.
    وبالتالي فإن الانسلاخ من، أو عن، هوية قائمة وضاربة في أعماق الجنوب، والبحث عن هوية جديدة وطارئة – أي هوية الجنوب العربي – هو اعتداء ومسخ لهوية شعب تكونت على مر السنين، وتضحية بقضية عادلة هي القضية الجنوبية، ومغامرة سياسية وقرار انفعالي، ولغم مؤقت في جسد الجنوب وهويته ووحدته.

وللحديث بقية.
………………………………….