آخر الأخبار

spot_img

قائد لم ينكسر.. ومناضل لم يساوم

“صحيفة الثوري” – في الذاكرة:

 أحمد حرمل

يوم ٣٠ من أغسطس 2025م، ترجَّلَ أحدُ أعمدة الوطنية والنضال في الجنوب، وغابَتْ هامةٌ باسقة من هامات اليمن، برحيل اللواء محمد ناجي سعيد، عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي، والنائب البرلماني السابق، والقائد العسكري الذي جسَّد معنى الوفاء والانتماء في أدقِّ تفاصيل حياته.

في هذه اللحظاتِ الموجعة، يترجَّلُ فارسٌ من فرسان الوطن، ويغيبُ وجهٌ من وجوه الشجاعة والوفاء، تاركًا خلفه إرثًا من المجد، وسيرةً عطرةً لا تُنسى.

لم يكُنْ مجرد قائد عسكري، بل كان مدرسةً في القيادة، وَرُمُوزًا للثبات في زمنٍ تاهت فيه البوصلة .

نشأ الفقيد في بيئةٍ شكَّلت وجدانه الوطني، وتشرَّب منذ نعومة أظفاره قيم الرجولة والانتماء، فكان منذ بداياته مثالًا للانضباط والالتزام. تدرَّج في المناصب العسكرية حتى بلغ مرتبة اللواء، غير أنه لم يتعامل مع الرتبة كامتياز، بل تحمَّلها مسؤوليةً مضاعفة تجاه الوطن والمواطن.

في أحلك الظروف وأصعب المحن، كان حاضرًا بكل شجاعة، لا يتردد ولا يتراجع. عرفته ساحات الوغى قائدًا شجاعًا لا يهاب، وعرفته المكاتب إداريًا حكيمًا صارمًا وعادلًا.

لم يكُنْ يسعى للمجد الشخصي، بل كان يصنعه بصمت، من خلال مواقفه الشجاعة وقراراته الحكيمة.

تميز بأسلوب قيادي فريد، جمع بين حزم القادة وقلب الإنسان، وبين رؤية الاستراتيجي واهتمامه بالتفاصيل.

كان يؤمن بأن الجندي هو حجر الأساس، وأن احترام الإنسان هو جوهر القيادة الحقيقية.

لذا، أحبَّه مرؤوسوه، واحترمه أقرانه، وافتخر به كل من عرفه أو سار خلفه .

لم يكُنْ مجرد اسم في سجل القيادات، بل كان رمزًا حيًا للثبات في زمنٍ تكسرت فيه كثير من القيم. وشهدت له مسيرته الحافلة منذ بواكير الحركة الوطنية، حيث كان من أبرز قادة جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية؛ مناضلًا أوكتوبريًا، وسياسيًا اشتراكيًا، وبرلمانيًا فاعلًا، ومرجعية سياسية جنوبية سيخلدها التاريخ.

تولى الفقيد منصب النائب السياسي في القوى الجوية، ليجسِّد بذلك جمعًا نادرًا بين الفكر والعتاد، بين الانضباط العسكري الصارم والوعي الوطني الثاقب.

لم يكُنْ قائدًا عاديًا، بل كان نموذجًا يُحتذى في الصرامة والانضباط، يقدّس الوطن ويترجم هذا التقديس في كل مهمةٍ وكل قرار. كان مخلصًا لوطنه إخلاصًا نادرًا، لا تلين له قناة، ولا يعرف التراجع دربًا أمام التحديات .

أما في صفوف الحزب الاشتراكي، فكان من أبرز من ساهموا في ترسيخ الحياة الديمقراطية داخله، مؤمنًا راسخًا بأهمية احترام الهيئات والقرارات، فكان قدوة في الالتزام، ناقلًا مبادئه إلى سلوكه العملي، مما أسهم في صقل وعي كوادر الحزب وأعضائه.

وتمتع اللواء الراحل بحنكة سياسية وإدارية نادرة، فجمع بين حكمة السياسي المتزن، وصدق الحزبي الملتزم، وكفاءة الإداري المقتدر، وفعالية البرلماني المُؤثّر.

لم يكُنْ مجرد مشارك في الحياة العامة، بل كان صانعًا لأحداثها، يترك بصمته في كل موقع يحله، وكل قضية يتبناها.

لقد كانت خسارة والوطن برحيله فادحة، ولذا فالعبارات مهما كانت جميلة فانها تظل عاجزة عن وصف حجم الفقد، والفلم يقف حائرا” أمام رثاء رجلٍ من هذا الطراز النادر، وهامة وطنية شهدت لها ميادين النضال، فهما كتبنا عنه تظل كتاباتنا قاصرة عن الإحاطة بعطائه الزاخر وملكاته المتعددة .

إن رحيله ليس خسارة لأسرته وحدها، بل هو فاجعة لوطنٍ بأكمله. فقدنا رجلًا من طرازٍ فريد، لا يتكرر كثيرًا في حياة الأمم.

رجلًا حمل همّ وطنه في صدره، وترك إرثًا في كل مكان حلَّ به، وكل معركة خاض غمارها.

وقد رحل اللواء محمد ناجي سعيد بعد صراعٍ مرير مع المرض، لكنه رحل مرفوع الرأس، كما عاش دائمًا. ترك خلفه إرثًا وطنيًا خالدًا، وسيرةً نقية، ومواقف شجاعة ستظل منارة تهتدي بها الأجيال.

وإذ نودع هذا القائد العظيم، فإننا لا نرثيه فقط، بل نستذكر سيرته العطرة، ونتفيأ بظلال مبادئه، ونستلهم من روحه، ونتعهد بأن نبقى أوفياء لما آمن به وناضل من أجله.

رحم الله اللواء محمد ناجي سعيد رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله ورفاقه ومحبيه جميل الصبر والسلوان.

“إنا لله وإنا إليه راجعون”