آخر الأخبار

spot_img

الاشتراكي وصناعة الوعي من أجل التغيير (الحلقة الثامنة عشرة) (الأخيرة)

عبدالجليل عثمان 

عند الإطلاع على البرنامج السياسي والنظام الداخلي للحزب الاشتراكي اليمني التى تم اقرارهما في المؤتمر العام الخامس في يوليو 2005م نجد أن مقدمة البرنامج تشير إلى (إن الحزب يعتمد في رسم سياسته وأهدافه على المنهج العلمي الجدلي في دراسة وتحليل ظواهر الواقع الملموس بمختلف مجالاته..الخ). (1)

هذه الصيغة ضبابية في التزام الحزب بالفكر اليساري الاشتراكي العلمي، ويعتقد البعض ان قيادة الحزب قد اتخذت موقفا وسطا بين من يلتزمون بنظرية الاشتراكية العلمية ومن لايلتزمون بها، واقناع الآخرين أن الحزب قد تخلى عن إلتزامه بالفكر الاشتراكي وهذا قد أوجد إرباكاً وتشوشاً عند عدد من كوادر الحزب..

وفي مجال الثقافة والفكر والاعلام الذي ينص في المواد (57- 62) على دور الحزب في المجال الفكري وتثقيف اعضاء الحزب حسب برنامج التثقيف الحزبي نجد أن النظام الداخلي ينص في مادتيه (58 – 59) على (إدخال البعد المعرفي والاستفادة من معطياته في النشاط الحزبي السياسي والتنظيمي، والعناية بالقضايا الفكرية، والعمل لذلك على اضفاء البعد المؤسسي على الانشطة الفكرية والمعرفية للحزب).

(وتنمية الثقافة السياسية وتطويرها والرفع من مستوى القدرات الفكرية لدى الاعضاء عن طريق الاعداد والتطوير المستمر لبرنامج التثقيف والتأهيل السياسي والحزبي). (2)

إلا أن دائرة الثقافة والفكر في الأمانة العامة للحزب لم تقدم خططا موسعة لبرنامج التثقيف الحزبي، وقدمت مبررات واهية والتى أرجعتها إلى شحة الموارد المالية في تأسيس مركز للدراسات السياسية والفكرية، ولذلك نجد فجوة بين النظرية والممارسة في حياة الحزب الداخلية، فلا يوجد اهتمام جاد للعمل في الجبهة السياسية والثقافية وفي تنفيذ البرنامج الثقافي لرفع مستويات الوعي لدى أعضاء الحزب، ووضع برامج للتدريب والتأهيل لهم مما أثر ولايزال في غياب هذا البرنامج من آثار سلبية على نشاط الحزب في الحياة الداخلية وعلى نشاط منظماته في المجال العام، ونلاحظ وجود ظواهر في مواقع التواصل الاجتماعي لبعض الاعضاء في نشر مقالات نظرية حول نظرية الاشتراكية العلمية وتجارب أحزابها في المنطقة العربية كنوع من الترفيه لأن الحياة الداخلية للحزب تعيش حالة من الجمود بعيدة عن النشاط التنظيمي والفكري، وتزداد المشكلة عند ماتكون الممارسة العملية للقيادات المحلية منفصلة عن الموقف الفكري، أو تقوم بممارسات ذاتية تجريببة بعيدة عن وثائق الحزب الاساسية..مما يجعل أعضاء الحزب وانصاره في حالة انفصام، وتصبح الممارسة الحزبية مجرد علاقات عامة مضرة بالحياة الحزبية الداخلية لأنها تصبح بدون وعي حتى ولوكانت مخلصة للحزب.. فهي تتخبط بين اليمين واليسار والأفكار التجريبية وهذا يؤثر سلبا على علاقة الحزب بالمجتمع.

إن النظرية الليبرالية التي أخذ بها الحزب في وثائقه منذ الوحدة اليمنية عام 90م تؤكد أن المشاركة والاسهام في تحقيق التحولات التي يحتاجها اليمن في بناء الدولة المدنية الاتحادية الديمقراطية هي ذات أولوية في هذه المرحلة. وضل خصوم الحزب غير مقتنعين في تخلى الحزب عن نظريته السياسية السابقة، بل عملت القوى التقليدية والانتهازية والمليشاوية الذي انتجها المحيط الإقليمي بعد سقوط النظام السابق في ثورة الشباب الشعبية السلمية على اعادة انتاج نفسها وفكرها وثقافتها الاستبدادية الفاسدة بكافة الوسائل والطرق، وهى تتصدى لكل عمل وجهد ديمقراطي في وضع خطوات نحو بناء دولة مدنية على غرار تلك الدول التي كانت ثمرة لثورات سياسية واجتماعية في العالم. (3)

إن هذه القوى المتصدرة للمشهد في اليمن بفعل الإنقلاب والحرب وسيطرتها على مقدرات البلاد الاقتصادية وموارده المالية، ومواقفها السلبية في إزالة وتحطيم ما جرى تأسيسه وبنائه من بنى وهياكل متصلة بالدولة ونهب مكونات مؤسسات وأجهزة الدولة في المحافظات الشمالية والجنوبية، وجاء الإنقلاب والحرب من أكثر من عشر سنوات ليعيد أطراف الصراع الرئيسية إلى واجهة الأحداث والتى تحضى بالدعم الخارجي سوى كان ذلك الدعم من إيران للأنقلابين الحوثيين في صنعاء أو التحالف العربي في استعادة الشرعية!

ولذلك ستضل هذه القوى معيقة لعملية السلام والاستقرار والتنمية وبناء الدولة الاتحادية المنشودة.

ولاتزال تلك القوى تراوغ في تنفيذ التوافقات التى خرج بها مؤتمر الحوار الوطني الشامل عام 2014م في بناء دولة اتحادية من أقاليم، ذلك انها تعمل على إعادة إنتاج أدوات التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وتشجع التشضي في إنشاء كنتونات طائفية وجهوية ومناطقية وفق مصالحها في الهيمنة والاستحواذ على الموارد الاقتصادية وهي تضعف الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي في البلاد، وأن بيروقراطية السلطة في النظام السابق قد أنتجت شريحة جديدة طفيلية من داخل هذه الكنتونات يستحوذ على الثروة العامة، وقد ازداد نفوذها السياسي والاجتماعي في الماضي وتتواجد حاليا في المشهد السياسي لقوى الشرعية، وتتحايل في إفساد تنفيذ القوانيين وافساد الجهاز الأداري للسلطة، والمؤسسات العسكرية والأمنية، وتسخير أدوات السلطة وثروات البلاد في خدمتها، ولا تريد إفساح المجال لوجود طبقات اجتماعية جديدة تأتي في مقدمتها البرجوازية الوطنية، وفتح الطريق لبناء مجتمع مدني يقوم على نشر العلوم والأفكار الجديدة ويحقق مطلب الشعب في العمل والحريات وتحقيق مبدأ المساواة في الحقوق والامتيازات في المجتمع وفقا للإتجاه العام التي سارت عليها البلدان المقدمة.

وبكون أن الواقع اليمني لم تنجز فيه تحولات ضرورية تسمح بولادة الليبرالية الراسمالية، فيتعذر على أي حزب أو أي قوة سياسية في اليمن الادعاء بأن هناك امكانية على المدى المنظور لبناء وإقامة دولة ومجتمع حديثين بمفرده.

إن أولوية بناء الحياة الجديدة التي تنتجها ضرورات التحول تكون شديدة التعقيد والتنوع، ولايمكن ان يضطلع بها حزب بمفرده او قوة سياسية لوحدها. (4)

الجدير بالذكر أن هناك تجارب سياسية كثيرة جرى تطبيقها في العديد من البلدان، برهنت أن الإستيلاء على السلطة تحت أي ظرف من قبل أي حزب شيئا وان تطبيقها للنظرية السياسية التي تؤمن بها شيئا آخر.. ففرض الأمر الواقع لا يكون دليلا على مايحدث في سيطرة المليشيات الانقلابية في صنعاء أو سيطرة مليشيات تجمع الاصلاح في تعز ومأرب أو قوات الانتقالي في عدن او حلف حضرموت في المكلا، او قوات طارق عفاش في المخاء، انه كان صحيحا. ولهذا جاء تشكيل الجيش والمليشيات طرف الشرعية بدون تنظيم ودراسة غلبت عليها النزعات السياسية، فالشرعية ليست طرفا واحدا في السراء والضراء، والأحزاب السياسية المتحالفة لتأييد الشرعية مهمشة في المشاركة في الحكومة وفي المفاوضات رغم انها شريكة في العملية السياسية التى جاءات بالمبادرة الخليجية.

والتحالف عمليا يقوم بدعم كيانات خارج سيطرة الشرعية بينما هو يتحدث عن استعادة الشرعية.. ولم يعمل على توحيد قواها حسب قرار مؤتمر الرياض أبريل 2022م.

———————————-

١- البرنامج السياسي للحزب الاشتراكي اليمني.٢- النظام الداخلي للحزب.٣- عبد العزيز يحي محمد الهوية الفكرية للحزب الاشتراكي اليمني الثوري عدد(١٩٤٦) في ١٥-٢-٢٠٠٧م.٤- د.ياسين سعيد نعمان..كلمته في اختتام الدورة(4) للجنة المركزية للحزب في٣٠-١-٢٠٠٧م.

إنتهى