“صحيفة الثوري” – تقارير:
إنجي مجدي – اندبندنت عربية
لقاء الجمعة المقبل بين الرئيسين يفتح الباب أمام اعتراف ضمني بسيطرة روسيا على أراض أوكرانية وسط رفض كييف وحلفاء الـ “ناتو”
ملخص
يقول المسؤول السابق لدى الـ “ناتو” ووزارة الدفاع البريطانية نيكولاس ويليامز في حديثه إلى “اندبندنت عربية”، إن ترمب رجل صفقات وسيكون سعيداً بتجاوز الـ “ناتو” وأوروبا تماماً إذا تمكن من إبرام صفقة مع بعض التنازلات الشكلية من بوتين، ومع ذلك “فإن ترمب نرجسي ولن يرغب في أن يبدو وكأن بوتين تغلب عليه أو أهانه في التفاوض، ولهذا فهو يحتاج إلى بعض التنازلات منه”.
على مدى الأشهر السابقة لتوليه منصبه رسمياً في الـ 20 من يناير (كانون الثاني) الماضي، طرح مستشارو الرئيس الأميركي دونالد ترمب علناً وخلف الأبواب مقترحات لإنهاء الحرب في أوكرانيا، إذ أبدى ترمب مراراً وتكراراً خلال حملته الانتخابية إصراراً على إنهاء الصراع المستمر منذ ما يقارب ثلاثة أعوام في غضون 24 ساعة من تنصيبه، إن لم يكن قبل ذلك، من دون أن يذكر كيف سيقوم بذلك، وخلال الأشهر الثمانية الأولى من حكمه سعى الرئيس الأميركي، بالترغيب والضغط على كل من موسكو وكييف، إلى الدخول في المفاوضات، فضغط مراراً بالمساعدات العسكرية على أوكرانيا ما لم توافق على التفاوض، كما سمح أخيراً ببيع أسلحة متقدمة للأوكرانيين، وهدد بفرض مزيد من العقوبات على موسكو للضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأخيراً أعلن الأسبوع الماضي لقاءه نظيره الروسي الجمعة المقبل للتفاهم حول اتفاق يفضى إلى إنهاء الصراع.
واللقاء الذي سيغيب عنه الطرف الأوكراني يحمل كثيراً من القلق، ليس لدى الأوكرانيين وحسب، لكن أيضاً لدى الحلفاء عبر الأطلسي بالنظر إلى ما انطوت عليه مقترحات مستشاري ترمب “للسلام في مقابل الأرض”، إذ حملت اعترافاً بالأراضي التي سيطرت عليها روسيا شرق أوكرانيا في مقابل وقف الحرب، ووفق كثير من التقارير الصحافية الأميركية فإن المقترحات التي قدمها ثلاثة مستشارين رئيسين، بمن فيهم مبعوث ترمب إلى روسيا وأوكرانيا كيث كيلوغ، ألمحت إلى أن كييف يمكنها استعادة الأراضي المحتلة من خلال الوسائل الدبلوماسية لا العسكرية.
وما إن اقترح الرئيس ترمب أن اتفاق السلام بين أوكرانيا وروسيا قد يتضمن ” تبادل بعض الأراضي” حتى أعلن الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي السبت الماضي رفضه أية مقترحات سلام تنطوي على التنازل عن أراض أوكرانية، وأن التنازل عن أراض أوكرانية لروسيا كان خطاً أحمر لدى الحلفاء الأوروبيين في الـ “ناتو”، ولذلك نالت ترمب كثير من الانتقادات بسبب تنسيق لقاء مع بوتين من دون مشاركة زيلينسكي.
الخطوط الحمر
ولم يُعلن الأسبوع الماضي عن أي حديث بين ترمب والحلفاء في حلف شمال الأطلسي لمناقشة اللقاء المقرر مع بوتين، ولكن في رده على أسئلة “اندبندنت عربية” السبت الماضي حول مناقشة رؤية الـ “ناتو” مع ترمب قبيل الاجتماع، وعما إذا جرى تحديد خطوط حمر في هذا الصدد، كشف مصدر مسؤول داخل “حلف شمال الأطلسي” عن مكالمة جمعت أمينه العام مارك روته وقادة أوروبيين مع الرئيس الأميركي الأسبوع الماضي، ولم يرد المصدر الذي تحدث إلينا شرط عدم ذكر اسمه على أسئلتنا عما إذا كان الرئيس الأميركي ناقش جدول أعمال اللقاء مع شركائه في الـ “ناتو” والقيادة الأوكرانية، وحول الالتزام بالخطوط الحمر التي يضعها الشركاء، ومن بينها رفض الأرض في مقابل السلام، ليكتفي بالقول “نحن نواصل القيام بكل ما في وسعنا لدعم سلام عادل ودائم في أوكرانيا”، ولاحقاً قال الأمين العام للـ “ناتو” إنه يعتقد أن الرئيس الأميركي ترمب يرغب في الضغط على نظيره الروسي لإنهاء هذه الحرب الوحشية.
لا توقعات عالية
لكن المراقبين لا ينتظرون كثيراً من لقاء ترمب – بوتين، إذ يقول المسؤول السابق لدى الـ “ناتو” ووزارة الدفاع البريطانية نيكولاس ويليامز في حديثه إلى “اندبندنت عربية”، إنه “ليس من الواضح النتيجة التي يمكن أن يثمر عنها اللقاء”، مضيفاً “حتى ترمب لا يعرف، فلم يكن نهجه تجاه اتفاق السلام ثابتاً، وتراوح بين التعاطف مع روسيا ودعم أوكرانيا، وما هو واضح هو أنه إذا تحقق السلام فسيكون وفق الشروط الروسية”.
ويشير ويليامز إلى أن الإدارة الأميركية ترى أن الأراضي المحتلة قد فُقدت بالنسبة إلى أوكرانيا، لذا سيكون ترمب سعيداً بقبول اعتراف فعلي بخسارة أوكرانيا لهذه الأراضي لمصلحة روسيا، كما يُتوقع أن يقر الرئيس الأميركي بأن أوكرانيا لن تصبح أبداً عضواً في الـ “ناتو”.
ويولي المراقبون كثيراً لرد الفعل الأوروبي، إذ تمثل الحرب الروسية في أوكرانيا تهديداً للجناح الشرقي للقارة، ويقول ويليامز إن الأوروبيون لا يزالون يعتقدون أن بإمكانهم دفع روسيا نحو التراجع من خلال الدعم العسكري المستمر وفرض العقوبات الصارمة، متوقعاً أنه إذا جرى التوصل إلى اتفاق يصب في مصلحة روسيا فمن غير المرجح أن يقبله الأوروبيون أو الأوكرانيون.
وبدعوة من المستشار الألماني فريدريك ميرتس ينضم ترمب إلى قمة افتراضية طارئة الأربعاء المقبل مع قادة أوروبيين إضافة إلى الرئيس الأوكراني، وبحسب مجلة “بوليتكو” الأميركية فستركز القمة على خيارات الضغط على روسيا والأسئلة المتعلقة بالأراضي الأوكرانية التي استولت عليها موسكو، مع ضمانات الأمن لكييف وتسلسل محتمل لمحادثات السلام.
ومن المرجح أن هدف بوتين هو التوصل إلى اتفاق مع ترمب يُقدم لاحقاً لأوكرانيا كأمر واقع، وكما أوضح ألكسندر غابويف من “مركز كارنيغي لروسيا وأوراسيا” في تصريحات لصحيفة “فايننشال تايمز”، فإن نوع الاتفاق الذي يريده بوتين سيجعل أوكرانيا “غير قابلة للدفاع وغير جاذبة للاستثمار وفي طريقها إلى الانهيار”، وإذا رفضت أوكرانيا هذا الاتفاق فإن الروس يأملون بأن تقوم الولايات المتحدة بقطع الدعم عن كييف.
تجاوز الـ “ناتو” وأوروبا
وفي حين يرى مراقبون أن هذه سيناريوهات معقولة لكن الأوكرانيين وداعميهم من الأوروبيين يعتقدون أيضاً، بحسب الكاتب البريطاني جيدوين ريشمان، أن نتيجة أكثر إيجابية ممكنة، ومن وجهة نظرهم فإن النتيجة الجيدة ستكون التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع التهديد بفرض عقوبات ثانوية على روسيا إذا استأنف بوتين الحرب، ولن تُجرى مناقشات حول الأراضي إلا بعد ذلك.
لكن لا تزال هناك نظرة أكثر قتامة حيال التوصل إلى صفقة تتوافق مع الرؤية الإستراتيجية ومخاوف الأمن الخاصة بالـ “ناتو”، فيقول ويليامز إن “ترمب رجل صفقات وسيكون سعيداً بتجاوز الـ ‘ناتو’ وأوروبا تماماً إذا تمكن من إبرام صفقة مع بعض التنازلات الشكلية من بوتين، ومع ذلك فإن ترمب نرجسي ولن يرغب في أن يبدو وكأن بوتين تغلب عليه أو أهانه خلال التفاوض، ولهذا فهو يحتاج إلى بعض التنازلات منه”، ربما على شكل سحب قوات من أراض لا تدعي روسيا ملكيتها، وربما وقف إطلاق نار مشروط، بينما تقوم الولايات المتحدة بالتشاور وإقناع أوكرانيا والأوروبيين بقبول الصفقة.