آخر الأخبار

spot_img

إيران تقايض ببحار من أبناء عدن مقابل أسرى حرب لدى الشرعية

(عدن) – “صحيفة الثوري” – «الأيام»:

عبدالقادر باراس:

تحوّل بحّار من أبناء عدن وزميله القبطان إلى ورقة مقايضة في يد السلطات الإيرانية، بعد احتجازهما منذ أكتوبر 2022م في سجن بندر عباس، على خلفية اتهامات بتهمة “تهريب ديزل”. وتعرض طهران الإفراج عنهما مقابل إطلاق سراح أسرى إيرانيين محتجزين لدى الحكومة الشرعية اليمنية.

ذات فجر وعلى بعد ثمانية أميال بحرية من شواطئ عُمان، انقلبت حياة البحارين محمود ومحبوب، إذ لم تكن هذه الرحلة مختلفة عن مئات الرحلات السابقة. انطلقت ناقلة النفط “إريانا” من ميناء المخا في يوليو 2022م، وعلى متنها طاقم يمني كامل باستثناء بحار عراقي. الوجهة كانت الشارقة، لإجراء صيانة دورية لناقلة تحمل في جوفها نحو 17 ألف طن من الحديد الصامت، لكن الأيام القادمة كانت تحمل ما هو أثقل.

الكمين عند هرمز

في 22 أكتوبر من نفس العام، كانت الناقلة تبحر في المياه الدولية، حين ظهرت فجأة 7 زوارق صغيرة تحمل العلم الإيراني. صعد على متن السفينة رجال بملابس مدنية، لكن عيونهم ولغتهم العسكرية لم تترك مجالًا للشك: الحرس الثوري الإيراني قد أمسك بالصيد.

يقول حسام وحيد حسين “24 عاما” وهو أحد البحارة الذين كانوا على متن “إريانا”:”هددونا بتفجير السفينة إن لم نُطِع، صادروا جوازاتنا وهواتفنا، وساقونا إلى جزيرة إيرانية… وهناك بدأت الحكاية التي لم تنتهِ بعد” .

السجن بدل البحر

نُقل طاقم السفينة إلى ميناء بندر عباس الإيراني، وأُجبروا على تفريغ الحمولة في ميناء عسكري. بقوا خمسة أشهر تحت حراسة مشددة قبل أن يتم اقتياد 17 منهم إلى سجن مدني في مارس 2023م. تهمتهم؟ “تهريب ديزل” — رغم أن كل أوراق الشحنة كانت قانونية، ووجهتها معلومة، وتبعيتها لشركة بريطانية معروفة.

صورة البحار حسام وحيد حسين محمد، الذي كان ضمن طاقم السفينة “إريانا” وأُفرج عنه في اغسطس 2023

من بين الطاقم، خرج معظم البحارة لاحقًا من السجن، لكن محمود وحيد حسين، والقبطان محبوب عبده ثابت العامري، ما يزالان خلف القضبان.

ورقة تفاوض

السلطات الإيرانية لم تُخْفِ نواياها. عرض واضح: إما 15 عامًا سجنًا، أو غرامة 15 مليون دولار، أو… مبادلة بأسرى إيرانيين في اليمن.

في بلد تقوده معادلات الحرب، وتتشابك فيه الخيوط بين حكومة شرعية مدعومة دوليًا، وجماعة حوثية مدعومة إيرانيًا، تحوّل محمود ومحبوب من بحّارين إلى رهينتين في صفقة سياسية أكبر منهم.

لم تعد المسألة قانونية ولا إنسانية. إيران، كما يقول ناشطون، تستغل احتجازهما كورقة ضغط، في لعبة تبادل أسرى مع سلطات يمنية تحتفظ بمقاتلين وخبراء إيرانيين ألقي القبض عليهم في جبهات عدة.

غياب الدولة.. وغياب العدالة

يُعبّر حسام، شقيق محمود، عن خيبة أمل موجعة:”لم نرَ تحركًا من وزارة الخارجية، ولا من هيئة الشؤون البحرية، حتى منظمات حقوق الإنسان تكتفي بالشعارات” .

صورة تجمع الأخوين حسام المفرج عنه وأخيه القبطان محمود المسجون بإيران

مرت أشهر على الإفراج عنه، وهو لا يزال يحمل في قلبه تفاصيل الاعتقال والقلق، لكنه اليوم يتحدث من موقع الأخ، الحائر والعاجز، أمام سجن إيراني يبتلع شقيقه، وحكومة لا تبدو معنية بما يجري.

الناقلة بيعت

المفارقة الصادمة أن ناقلة النفط نفسها، “إريانا”، تم بيعها لاحقًا، بعد أن حصلت الشركة المالكة على تعويض مالي. كل شيء تحرّك، إلا محمود ومحبوب.

لا حديث عن تعويضات للطاقم. لا محاكمة عادلة. لا حماية قانونية. فقط انتظار مرير في سجن بندر عباس، بينما تتفاوض طهران في الخفاء على أوراق سياسية، تجعل من رجلين يمنيين سلعة سياسية في بازار إقليمي محموم.

نداء يتيم

في ختام حديثه لـ “الأيام”، قال حسام ما تبقّى من الرجاء: “كل ما نطلبه هو تطبيق القانون البحري، وإطلاق سراح شقيقي وزميله القبطان، فهم لم يرتكبوا أي جريمة. نناشد الحكومة اليمنية، ومنظمات الحقوق، أن تتحرك حتى عبر وساطة سلطنة عُمان، فالحل الإنساني ما يزال ممكنًا إن كانت هناك إرادة”.

لكن في واقع تحكمه الحسابات، يبدو أن الإنسانية آخر ما يُتفاوض عليه.. فهل يجب على رجلين وقعا في فخ البحر أن يدفعا ثمن حروب لا علاقة لهما بها؟.. سؤال لا يزال معلقًا بين جدران سجن بندر عباس وصمت العالم.