“صحيفة الثوري” – كتابات:
عبدالرحمن أنيس
داخل صيدلية في الشارع الرئيسي بالمعلا .. أمسك طفل صغير يد والدته بقوة، وشدَّها نحو الأسفل، قال لها بصوت مكسور:
“ماما أنا مش مريض كثير، والله ما عاد يوجعناش”.
لم يكن الطفل يعرف سعر الدواء ..
لكن عينيه الصغيرتين قرأتا كل شيء في ملامح والدته حين سألت الصيدلي فأجابها بسعر لم يكن مخصصا للفقراء.
عدن .. المدينة التي تقف على عتبة كل دكان لتقاوم الانهيار.
بات من المعتاد أن ترى رجلاً يقف أمام بقالة، يفتش في محفظته كأنما يبحث عن كرامة ضائعة، ثم يهمس للبائع: “رجِّع لي الشاي والصابون والسكر وخفف كمية الرز الى الربع”.
في هذه المدينة، لا يقال: الأسعار ارتفعت ..
بل يقال:
“أب ألغى نصف قائمة الطعام”.
“أم خرجت من الصيدلية تبكي ويدها فارغة”.
“مريض قسم روشتته إلى نصفين، وابتلع الألم مع الجزء المؤجَّل من الروشتة”.
راتب أستاذ جامعي اليوم لا يتجاوز مئة دولار .. بعد أن كان يزيد على الألف دولار قبل عشر سنوات فقط.
وراتب معلم بالكاد يبلغ مئة ريال سعودي.
أما ثلاثة أرباع السكان، فيعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم.
الخبز صار يباع بالأرباع ..
والدواء بالحبة ..
والفواكه تؤخذ بالنظر لا بالأكياس.
العملة تنهار ..
لكن ما ينهار حقا هو الإنسان.
لا يصرخ لا يسب لا يلعن ..
فقط يطأطئ رأسه عند كل سعر جديد ..
ثم يرفع عينيه إلى السماء ويتمتم :
“لا تكسرني أمام أطفالي يا الله”.