آخر الأخبار

spot_img

تحقيق/ “شبكة العنكبوت”: كيف اخترقت أوكرانيا العمق الروسي… وسائقون مدنيون نقلوا المسيّرات دون علمهم؟

تحقيق – صحيفة الثوري |

كييف – في عملية وصفتها كييف بأنها “الأكثر جرأة منذ بدء الحرب”، كشف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي النقاب عن تفاصيل مثيرة لعملية عسكرية غير تقليدية استهدفت أربع قواعد جوية روسية في عمق الأراضي الروسية، محدثة خسائر وُصفت بأنها الأقسى في سجل سلاح الجو الروسي الحديث.

العملية، التي حملت الاسم الرمزي “شبكة العنكبوت”، نُفّذت بطريقة غير تقليدية تعتمد على الخداع التام. ففي مقابلة مع شبكة “ABC News”، أوضح زيلينسكي أن الهجوم استند إلى استخدام شاحنات مدنية يقودها سائقون روس عاديون، لم يكن لديهم أي علم بأنهم ينقلون منصات هجومية.

وبحسب روايته، فقد تم إخفاء الطائرات المسيّرة داخل منازل متنقلة ذات أسقف قابلة للطي، حُمّلت إلى الشاحنات وتم تشغيلها لاحقًا عن بُعد لتنفيذ الضربات. “السائقون لم يكونوا شركاء، بل ضحايا التضليل”، قال زيلينسكي، مؤكدًا أن العملية نُفذت بالكامل بأيدٍ أوكرانية، ومن دون أي مساهمة مباشرة من الحلفاء الغربيين: “أردنا أن نظهر قدرتنا الذاتية. لم نستخدم شيئًا من خارج أوكرانيا”.

أكبر خسارة للقوة الجوية الروسية؟

الضربة، التي وقعت الأسبوع الماضي، استهدفت قواعد جوية يُعتقد أنها مخصصة لانطلاق قاذفات استراتيجية قادرة على تنفيذ هجمات بعيدة المدى، بينها قاذفات Tu-95 المعروفة بقدرتها على حمل رؤوس نووية.

بحسب صور أقمار صناعية وتحليلات مستقلة، فإن ما لا يقل عن 13 طائرة حربية تضررت أو دُمّرت، من بينها 8 قاذفات من طراز Tu-95. وتحدثت كييف عن خسائر تجاوزت 40 طائرة، بينما لم تعترف موسكو سوى بوقوع “حريق ألحق أضرارًا بعدد من الطائرات”.

تقديرات المحللين المستقلين استقرت بين 10 إلى 12 طائرة متضررة، فيما كشفت صحيفة فايننشال تايمز أن بعض القاذفات التي أصيبت قد لا تتمكن روسيا من تعويضها على المدى القصير، مشيرة إلى أن العملية قد تؤدي إلى إعادة رسم خريطة الاستراتيجية الجوية الروسية.

خطة على مدى 18 شهراً

تشير المعلومات المتقاطعة إلى أن التخطيط للعملية استغرق نحو 18 شهرًا، خُبئت خلالها المسيّرات داخل شاحنات مدنية عادية، ما سمح لها بالوصول إلى العمق دون إثارة الانتباه. وفي لحظة محددة، تم تشغيل الأنظمة عن بُعد لتنفيذ الهجوم، في عملية تمويه تُظهر استخدامًا متقدمًا للذكاء الميداني وأساليب الحرب غير المتماثلة.

تحول في ميزان الردع؟

يرى المحلل العسكري مايكل كوفمان، من مؤسسة “كارنيغي للسلام الدولي”، أن العملية تمثل تحوّلًا مهمًا في ميزان الردع الجوي، إذ أنها قلّصت قدرة روسيا على شنّ غارات بعيدة المدى. “ربما لن توقف الغارات الروسية نهائيًا، لكنّها تُضعف قدرة موسكو على التلويح بالقوة الجوية كسلاح ردع حاسم”، يقول كوفمان.

أما فايننشال تايمز فنقلت عن محللين تقديرهم بأن القاذفات المستهدفة تمثل نحو 20% من الأسطول الروسي الجاهز من الطائرات بعيدة المدى، ما يجعل الضربة ضربة نوعية فعلًا لا فقط رمزية.

ويقول فابيان هوفمان، الباحث في جامعة أوسلو، إن الطائرات المستهدفة كانت من بين الأكثر جاهزية في الترسانة الروسية، ما يعني أن توقيتها واختيارها لم يكن عشوائيًا. أما ويليام ألبيرك، المسؤول السابق في حلف الناتو، فيرى أن “تلك القاذفات كانت تشارك فعليًا في استهداف مدن أوكرانية، ما يجعل الضربة ردًا مباشرًا على الهجمات الأخيرة”.

رسالة مزدوجة

من الواضح أن الرسالة التي أرادت كييف إيصالها تتجاوز الجانب العسكري؛ فـ”شبكة العنكبوت” لم تكن مجرد ضربة جوية، بل عرضٌ لقدرة استخباراتية معقدة، واختبارٌ لمدى استعداد روسيا للتعامل مع جبهة حرب قابلة للاختراق من الداخل.

وفي وقت تتعثر فيه الجهود الدولية للوصول إلى وقف دائم للعمليات القتالية، يبدو أن أوكرانيا قررت أن ترسم خطوطًا جديدة في الصراع، يكون فيها العمق الروسي جزءًا من ميدان المواجهة، وليس مجرد منصة بعيدة تُطلق منها الصواريخ.