“صحيفة الثوري” – كتابات:
عبدالكريم قاسم
كثيرًا ما انتقدتُ النظام السابق في الجنوب، وكنت حادًا في نقدي، لا أترك شاردة ولا واردة إلا وتناولتُها دون مواربة.
غضب البعض، وشتمني آخرون، واتّهمني كثيرون بالتنكر لتجربة منحتني حقوقًا لا تُنكر. لكن الحقيقة التي لا يمكن الهروب منها، أن كل ما قيل عن مساوئ النظام الجنوبي، يتضاءل أمام ما عاناه اليمني في ظل الوحدة، وما نعيشه اليوم في زمن الحرب والدمار والفساد المطلق.
نعم، كانت لنا دولة في الجنوب. دولة بمساوئها، نعم، لكن أيضًا بفضائلها الكبيرة. كانت دولة أنهت الفوارق الطبقية، وجعلت الناس سواسية أمام القانون. لم يكن هناك “شيخ” و”أفندم”، بل “رفاق”، يتشاركون نفس المقاعد الدراسية والمستشفيات والمرافق العامة.
أتذكّر مدرستي، كنت أجلس على يميني صلاح عبد الفتاح إسماعيل، وعلى يساري فيصل، ابن علي سالم البيض. لم يكن لأحدنا امتياز خاص بسبب نسبه أو مكانة والده. كنا متساوين فعلاً، لا شكلاً. إن مرضنا، نُعالج مجانًا. الدواء من صيدلية المستشفى بالمجان. الحافلة تقلّنا من بيوتنا إلى المدرسة وتعيدنا… بالمجان.
الوظيفة كانت حقًا. إن لم تكن بشهادة، فعلى الأقل بمهارة. منحة دراسية؟ ممكنة. وحتى إن كانت هناك محسوبيات، فالنصيب الأكبر كان لأبناء العمال، الفلاحين، والبدو الرحل… لأبناء الفقراء.
أقولها اليوم، وأنا أعني كل كلمة: لو سألني أحدهم عن أجمل فترة عشتها، لقلت دون تردد: فترة حكم الجنوب. ولو سُئلت عن الحزب السياسي الذي أتمنى أن ينهض من سباته، لقلت: الحزب الاشتراكي اليمني. لأنه ببساطة حزب الفقراء، والغالبية العظمى من اليمنيين فقراء. ولا يمكن لمن لم يعش الفقر أن يمثله بصدق.
الحزب الاشتراكي، رغم أخطائه، يظل وريث الحركة الوطنية اليمنية في الشمال والجنوب، ولا يزال يمتلك قاعدة تاريخية وأخلاقية تؤهله ليكون صوت البسطاء. وإذا كانت الأحزاب الأخرى قد فشلت في تقديم مشروع وطني جامع، فإن الاشتراكي لا يزال يملك القدرة إن أخلص لجوهره الأول، وأعاد إنتاج نفسه بروح شابة وواعية.
اليوم… أكثر من أي وقت مضى، اليمن يحتاج للاشتراكي.
يحتاجه ممثلًا للفقراء، صوتًا للمظلومين، حاملًا لمشروع وطني جامع يوازن بين العدالة الاجتماعية والحرية السياسية. وليحدث ذلك، لا بد لأعضاء الحزب وأنصاره أن يراجعوا السياسات، ويقدّموا خيرة شبابهم لقيادة المرحلة المقبلة.