صحيفة الثوري- كتابات:
د. الدكتور قاسم الهارش.
العيد على الأبواب، ولكن لا ملامح له في الشوارع، ولا أثر له في وجوه الناس.
كيف يفرح الناس وأبواب بيوتهم مسدودة بالألم؟ كيف يستقبلون عيد الأضحى وموائدهم خاوية، وجيوبهم فارغة، وقلوبهم مثقلة بالهموم؟
في عدن، المدينة التي يُفترض أنها عاصمة مؤقتة لدولة تحررت، يغرق المواطن في ظلام يومي، لا بسبب انقطاع الكهرباء فقط، بل بسبب انقطاع الأمل، وانعدام العدالة، وغياب أبسط الحقوق.
هنا لا يسأل المواطن عن ثوب جديد لأطفاله، بل يسأل: هل سأتمكن من شراء كيلو لحم؟ هل سأدفع إيجار هذا الشهر؟ هل سأملك ما أُطعم به أطفالي في صباح العيد؟
نقترب من نهاية شهر مايو، وآلاف الموظفين المدنيين والعسكريين والأمنيين لم يتسلموا رواتبهم عن شهر أبريل.
هذا ليس تأخيرًا عاديًا، بل إهانة مستمرة لموظف أفنى عمره في خدمة وطنه.
راتب لا يتجاوز 70 ألف ريال، لا يسد رمق أسرة، ولا يكفي حتى لحياة الحد الأدنى.
30 دولارًا فقط هي ما يُدفع للمواطن مقابل صمته، صبره، وكرامته.
احتفل الناس بتحرير عدن من الميليشيا الحوثية معتقدين أن الغد سيكون أفضل، لكن ما حدث هو أن الاحتلال تغير شكله، بينما استمرت معاناة الناس، بل وتضاعفت.
لا كهرباء، لا مياه صالحة، لا تعليم حقيقي، ولا صحة، ولا دولة حاضرة.
فقط وعود تتكرر، وخيبات تتراكم، ومسؤولون لا يرون ولا يسمعون.
تحول العيد من مناسبة للفرح إلى عبء نفسي واقتصادي، أسر كاملة تعجز عن شراء حاجيات بسيطة لأطفالها، وآباء يهربون من منازلهم ليلة العيد خشية نظرات أطفالهم المنتظرين لعبة أو قطعة حلوى.
هذا ليس عيدًا، بل عار أخلاقي على كل من يعتلي منصبًا ولا يشعر بمعاناة شعبه.
إلى من بيده القرار، إلى من يقبض راتبه بالدولار ويعيش في رفاهية:
هل جرّبت أن تترك شهرًا بلا راتب؟
هل جرّبت أن تقف عاجزًا أمام بقالة تطلب منك دينًا جديدًا؟
هل جرّبت أن تنظر في عيون أطفالك دون أن تملك شيئًا تقدمه لهم؟
إذا لم تفعل، فأنت لا تمثل هذا الشعب.
وإذا لم تتحرك، فأنت جزء من ألمه.
هذه ليست كلمات تُكتب، بل صرخة تُطلق من صدر وطن ينهار، ومن أفواه مواطنين طحنهم الجوع والخذلان.
نريد دولة لا تترك شعبها يجوع.
نريد مسؤولين لا يفقدون إنسانيتهم عند أبواب السلطة.
نريد رواتب منتظمة، وخدمات حقيقية، وعدالة تشعرنا أننا لا نعيش في وطن مهجور.
العيد قادم، لكن الفرحة غائبة، فهل من قلب يسمع؟ وهل من ضمير يستيقظ؟
أم أن الرحمة لم تعد صفة تُذكر في قاموس الحاكم؟
لكن الأمل لا يموت، والصمت لا يصنع التغيير.