آخر الأخبار

spot_img

الخطاب المزدوج في استهداف التاريخ

صحيفة الثوري- كتابات: 

اللواء علي حسن زكي

إن هناك من يتحدثون عن الثورة والاستقلال ويحتفلون بها كمناسبات وطنية فارقة في تاريخ شعب الجنوب ونضالاته وتضحياته، وفي الوقت نفسه يجحدونها، ومن يطالبون باستعادة الدولة التي تم الدخول بها الوحدة، وفي الوقت نفسه يعطونها مسمى غير مسماها، وفي خطاب مزدوج لم يشهد له تاريخ العمل السياسي مثيلاً من قبل، يستهدف في محصلته حقائق الجغرافيا والتاريخ، وعلى نحو ما سنستعرضه في نهاية المقال، بعد استعراضنا تلك المحطات والحقائق الوطنية التاريخية وفقاً للتالي:

لقد انطلقت ثورة ١٤ أكتوبر المجيدة من جبال ردفان الأبية عام ١٩٦٣م، سقط فيها المناضل البطل غالب بن راجح لبوزة، أحد أوائل القياديين المؤسسين للجبهة القومية، كأول شهيد للثورة والجبهة القومية، هذه الثورة المظفرة التي استمرت على مدى أربع سنوات من الكفاح المسلح التحرري والتضحية والفداء، بقيادة الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل بجناحيها العسكريين جيش التحرير الشعبي في المناطق، والقطاع الفدائي في المدينة، وبمشاركة بقية الفصائل الجنوبية الأخرى، والتفاف كل أبناء شعب الجنوب وقواه المدنية والنسوية والشبابية والطلابية والمجتمعية الأخرى، وحيث مثلت ثورة ١٤ أكتوبر امتداداً وطنياً وتاريخياً لنضالات وتضحيات هذا الشعب المعطاء منذ أن وطأ المحتل البريطاني أرض عدن الجنوب الطاهرة يوم ١٩ يناير ١٨٣٩م – خروج آخر جندي بريطاني عشية ٢٩ نوفمبر ٦٧م، واستلام الجبهة القومية الاستقلال، وعودة وفدها المفاوض من جنيف برئاسة المناضل قحطان الشعبي حاملاً وثيقة الاستقلال بعد مفاوضات شاقة ومضنية مع وفد بريطانيا برئاسة اللورد شاكلتون، وإعلان المناضل قحطان بيان الاستقلال يوم ٣٠ نوفمبر ٦٧م، وقيام دولة الجنوب (جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية)، وتوحيد أكثر من ٢٣ سلطنة وإمارة ومشيخة والمستعمرة عدن في إطارها ككيان وطني واحد من المهرة إلى باب المندب، وتوزيع جغرافيته إلى ٦ محافظات إدارية.

إن هذه الثورة هي ثورة شعب الجنوب، وليست فقط ثورة الجبهة القومية.

إن الاستقلال الوطني كثمرة لكل تلك النضالات والتضحيات هو استقلال للجنوب ولسيادة شعب الجنوب على أرضه ووطنه، وليس استقلالاً للجبهة القومية، بما هي الدولة التي تم بناؤها في عهد الجبهة القومية وامتدادها الحزب الاشتراكي بعد تأسيسه عام ٧٨م، جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية لاحقاً الديمقراطية الشعبية، دولة شعب الجنوب وليس فقط دولة الجبهة القومية وامتدادها، وهي الدولة التي تم الدخول بها الوحدة عام ١٩٩٠م، بعلمها ونشيدها وشعارها وعملتها الوطنية وبنكها، وبمقعدها الدولي والإقليمي وتمثيلها الدبلوماسي.

وعطفاً على ما سلف، ولتبيان الخطاب المزدوج في استهداف التاريخ دعونا ننظر في التالي:

١- يتحدثون عن الثورة والاستقلال والدولة ويحتفلون بمناسباتها الوطنية كل عام، ويرفعون علم الجنوب دوماً، وهو بألوانه الثلاثة علم الجبهة القومية، وبإضافة المثلث الأزرق والنجمة على ساريته علم دولة الجنوب، وفي الوقت نفسه يتحدثون عن الجنوب العربي، بما هو الجنوب العربي ككيان – اتحاد الجنوب العربي – كانت بريطانيا قد أسسته مبنياً على ركائزه السلطنات والإمارات والمشيخات، وبإعلان الاستقلال وقيام دولة الجنوب على أنقاض ركائزه تلك، وتوزيع جغرافيته الوطنية إلى ست محافظات، صار الاتحاد في خبر كان.

٢- إن الدولة التي يتمسك شعب الجنوب باستعادتها بحدود ما قبل ٢١ مايو ١٩٩٠م، المتعارف عليها دولياً، التي تم الدخول بها الوحدة، هي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وليست دولة الجنوب العربي، وإن مطالبتهم باستعادتها بمسمى دولة الجنوب العربي يخل بمشروعية تمسك شعب الجنوب باستعادة دولته وفقاً لأعلاه، طالما لم تكن هناك دولة مسماها الجنوب العربي تم الدخول بها الوحدة، بل لم تكن هناك دولة للجنوب بهذا المسمى معترف بها دولياً وإقليمياً، ولها مقعدها وتمثيلها الدبلوماسي من الأساس، وفي كل الأحوال شعب الجنوب هو من يقرر مسماها عند استعادتها.

٣- إن من يتحدثون بخطاب مزدوج هكذا، ربما يكون تفكيرهم قد توقف عند لحظة زمنية معينة من التاريخ، لم يستوعبوا معه نضالات وتضحيات شعب الجنوب وكل محطاته الوطنية التاريخية اللاحقة، بل ولم يستوعبوا أيضاً جزءاً من خطابهم القائم على الاعتراف بالشيء قبل القول بنقيضه، الأكثر من ذلك لم يستوعبوا أهمية تلك المحطات باعتبارها إنجازاً وطنياً وتاريخياً كفاحياً لشعب الجنوب وأجياله اللاحقة، وإن شعباً لا ثورة ولا استقلال ولا دولة له، لا تاريخ له…