صحيفة الثوري – كتابات:
عفراء حريري
إنّ ما نشهده منذ ثلاث سنوات (عمر المجلس الرئاسي) لا يعبّر عن الإرادة الحقيقية لشعب عانى من القمع والاستبداد، بل هي محاولة مكشوفة لإعادة إنتاج نظام قائم على التمييز، إذ يتم التعامل مع النساء وكأن وجودهنّ في الحياة السياسية مجرد تفضيل مضاف إلى هيئات الرئاسة، أو صورة تُستخدم لتجميل مشهدٍ زائف.
إننا نرفض أن نكون مجرد واجهة لمشاريع لا تعترف بنا ولا تعطي لحقوقنا أي وزن، لسنا أرقامًا تُضاف إلى قوائم الحضور، ولسنا شهود زور على عملية سياسية عقيمة تُعيد إنتاج التهميش وتكرّس سياسات الإقصاء.
لقد كشفت مجددًا نتائج تغيير رئيس الوزراء عن عقلية الإقصاء والإنكار التي لطالما كانت السبب بأزمات الشرعية أو الحكومة المعترف بها دوليًا في المناطق المحررة. ويتناسى المجلس الرئاسي “بأننا نحن النساء وقفنا في مقدمة النضال، قاتلنا ضد القمع والاستبداد والتطرف والعنف… إلخ، ودفعنا الثمن الأكبر من النزوح والاعتقال والاغتيال والاغتصاب والقتل”.
على الرغم من ذلك لا يزال مصيرنا يُقرَّر في قاعات مغلقة، دون أن نُمنح حق التعبير عن قضايانا، ودون أن يكون لنا دور حقيقي في صياغة مستقبل هذا البلد. فكيف يمكن الحديث عن حل سياسي بينما يتم استبعادنا ونحن أكثر من النصف؟ كيف يُبنى مستقبل اليمن فيما نُقصى نحن النساء اللواتي حملن العبء الأكبر في الحرب والسلام على حد سواء؟
إننا لن نقبل أن يكون مستقبل البلد مرهونًا بالسياسات ذاتها التي أنتجت معاناة النساء لعقود.
إن ما يجري في قاعات فنادق الرياض هو استكمال لنهج تهميش النساء، وإقصاء القوى الديمقراطية الحقيقية، واستمرار للعقلية الذكورية التي لم تتعلم من دروس الماضي. هذه التعيينات ليست خطوات نحو الحل، بل نحو تعميق الأزمة، وهذه ليست بداية جديدة، بل استنساخٌ مشوّه لفشل قديم.
يبدو أن حركة التعيينات أصبحت تشوبها التدابير المقيّدة للحريات، لا سيّما في حقّ النساء اللواتي استُبعدن تدريجيًا من الحياة العامة وأُقصين من كل المواقع السياسية، كما استُبعدن من غالبية الوظائف العامة وأُعطين أجورًا زهيدة لحضّهن على البقاء في المنزل، أو سُرّحن من العمل أو سُكنّ في القبر. فأصبح من الواضح أن سياسة المجلس الرئاسي مصمّمة لإقصاء النساء من الحياة العامة، فهو لم يعد يبدي مخاوف من التستر على الوضع الاقتصادي الكارثي والقمع المتزايد والعسكرة والعنف ضد المدنيين والمدنيات، بل يجعل من تهميش المرأة طابعًا مؤسسيًا يطال النساء والفتيات، وإقصاءً ممنهجًا من قبله كأعلى مؤسسة في الدولة.
ففي الوقت الذي تحتاج فيه اليمن إلى مشروع وطني حقيقي يعبّر عن جميع أبنائها وبناتها، نجد أنفسنا أمام مشهد مكرّر للمجلس الرئاسي، إذ تُعاد صياغة السلطة بأدوات قديمة، ويُفرض الواقع نفسه بوجوه جديدة، لكن بعقلية لم تتغير، عقلية تُقصي النساء وتُهمّشهن، وكأن أصواتهنّ وتضحياتهنّ لم تكن يومًا جزءًا من هذا النضال الطويل.
إننا نعيش إعادة إنتاج لنظام قائم على التمييز، ورفض واضح لحقوق النساء ودورهن السياسي والاجتماعي.
اليوم، في العاصمة المؤقتة المقتولة عدن، تتزايد ممارسات ممنهجة لإقصاء النساء وتهميش دورهن في الحياة العامة وفي مواقع صنع القرار، وتنامي وتنوع مظاهر العنف الأسري والعنف الجنسي الذي يسحق كرامتهن، ويحول دون تمتعهن كمواطنات بحقوقهن الإنسانية، بسبب هيمنة العقلية والثقافة الذكورية والأعراف القبلية الدخيلة، والخطاب الديني المتطرف الذي تخلّت عنه المملكة العربية السعودية بزعامتها وتفرّدها له سابقًا، واختاره ولاة أمرنا بصوره المتعددة (الجهل، القمع، العنف… إلخ)، وبسبب أيضًا ضعف آليات الحماية ومؤسسات إنفاذ القانون، وتفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية والصحية، وانتشار الفقر والأمية واستشراء الفساد…
إن أي تعيين يتم دون أن يشمل ويمثّل النساء تمثيلًا حقيقيًا وصوتًا مسموعًا، هو تعيين غير شرعي، وأي عملية سياسية لا تأخذ في الحسبان نضال النساء وتضحياتهنّ، هي عملية ميتة قبل أن تبدأ. لن نسمح بأن تُفرض علينا خيارات لا تمثلنا، ولن نصمت أمام هذا المشهد السياسي الذي يحاول فيه المجلس الرئاسي دفن حقوقنا وإرادتنا تحت ستار “التوافقات” المزعومة.
نحن النساء، لسنا هامشًا، ولسنا بديلًا، نحن أساس الحل وجوهر الديمقراطية، ومن لا يرى ذلك، فهو لا يسعى إلا لإعادة إنتاج الاستبداد بوجهٍ جديد.
لذلك فإن لصبر النساء حدًا أشدّ حدة من السيف، إن شُحِذ نَحَر وأجتز الشجر والجبل، فلا تمتحنوهن ولا تمتحنوا صبرهن.