آخر الأخبار

spot_img

أصل الحكاية 7: التسع البوادر أو” الكذب المعسبل”!

“صحيفة الثوري” – ثقافة:

(فقرات رمضانية مفيدة…. ينقلها ويجمعها لكم من مصادرها خلال ايام الشهر الكريم د/ عبد الصمد الكوري)

 التسع البوادر أو” الكذب المعسبل ”

هل كان لها خلفية قصصية او احداثية؟؟

” بدعنا القول بالكذب المعسبل

وأما الصدق ماله بقيه..

وزنا القملي والثور الأشعب

وزاد القملي رجح شوية.”

(هذا هو مطلع الأبيات الشعبية الشهيرة المعروفة بالبوادر )

………..

جميلة هي تلك العبارات التي تزرع الأمل في النفس البشرية المرهقة وأجمل منها تلك الكلمات الممزوجة بالطرافة وهي تحول المستحيل الى ممكن.

وما اقل نظرات آدابنا القديمة الى الغد لأن كل جيل يرى ضياعه في زمنه ويمجد الماضي، لكن الماضي فائت والآتي غائب وليس للمرء إلا يومه.

والى مثل هذا جاء القرآن مؤكدا بأكثر من موضع تغير الحال وتقلب الزمن ” فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا ” ” وتلك الأيام نداولها بين الناس ” و ” إذا جاء نصر الله والفتح ” نزلت قبل الفتح لتحقق ما سوف يقع. وتبرهن ايضا على تغيير الحال وتقلب الزمن عشرات الأمثال والحكايات ” بعد اليوم غدوه ” ” الزمن مدخل مدخل ” ” يوم لك ويوم عليك “

قال البشاري في وصيته قبل موته ” قد ترون المتسلطين عليكم أقوى لكن الأيام تضعفهم وتقويكم فاتخذوا من تناقصهم زيادة لكم واجعلوا من أخطائهم أسلحة الى اسلحتكم فأخطاء الأقوياء أقوى أسلحة الضعفاء ”

لذلك تعددت النصوص الشعبية الآملة بالغد ْ، وتعددت طرائق التعبير في إمكان المستحيل ومجيء الأهنا بعد الأسوأ،

ومن ذلك قصيدة التسع البوادر التي تصور إمكانية المستحيل في النَفس الشعبي.

والتي سميت أيضا ب”الكذب المعسبل ” نسبة الى البيت الأول في هذه الأبيات الذى أضافه الشاعر عبدالله هاشم الكبسي واصبح مطلعا للقصيدة :

بدعت القول بالكذب المعسبل * لأن الصدق ما عاد له بقيه

ثم جاءت بقية الأبيات وان تعددت صيغها وظل قائلها مجهولا وبحسب المكان والزمان وتحور اللهجة الشعبية نوردها هنا كما أوردها البردوني :

ألا يا داحس الصعبي تحكّر–

كما جلده مراسب للرعية

ضمدنا القملي والثور الأشعب–

وزاد القملي رجّح شويه

تلمنا في قذال الديك مندب–

وخلينا مفاسح للرعية

وشدّينا على القملة بمرسب–

وتطلع في النقيل ساع المطية

زرعنا الموز في ليله وقتب–

وزلّجناه للوالي هديه

*****

وودّكنا من الفرخة مية رطل–

وقدّدنا كلاها والشوية

وغدّينا من البيضة مية راس

وبقّينا ثلثها للعشية

حلبنا من ضروع التيس دبية–

وخلينا لأولاده وقيّة

وأدخلنا الجمل من عين الإبرة–

وفوقه سبعة أقداح ماربيه

عمرنا فوق قرن الثور مفرج

وديوانين ألآ يَــا فنطسية

******

ومعنى الأبيات ألا يا سالخ الصعبي (صغير الحمار )

صون جلده لأنه سيتحول إلى حبال تشد به الرعية جمالها وهو تلميح للمستحيل لأن الحمير لا تصلح للسلخ ولا جلدها يصلح للدبغ

أما البيت الثاني يشير فيه إلى مستحيل آخر حيث يصبح القملي أعلى قامة من الثور الأشعب (أعلى الثيران قامة)

وفي البيت الثالث يجعل قذال الديك (رأس الديك) مزرعة واسعه (مندب يساوي عشر لبن) وفوق ذلك يترك فيه طريقا للمزارعين

أما البيت الرابع فيتصور القمله مثل الناقه توضع عليها البضائع

ويتصور في البيت الخامس أن الموز ينضج في ليلة وضحاها كما أن البيت يشير إلى الزمن التي ممكن أنه قيلت فيه الأبيات (ربما في العصر العثماني حيث كان يرسل فيه الهدايا الى الوالي)

وباقي الأبيات تواصل الحلم الشعبي فيستخرج من الفرخة أكثر من مائة رطل من الودك (الدهن الحيواني) وتصبح البيضة كافية لغداء اكثر من مائة رجل ويبقى منها ثلثها للعشاء ويصبح التيس كالعنزة يحلب ويولد

وفي البيت الثامن إشارة إلى المستحيل الذي ذكر مثلا في الآية الكريمة (والذين كفروا لن يدخلوا الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) غير أنه يضيف إلى الجمل حمولة سبعة أقداح من الملح الماربي

وفي البيت الثامن تشابه مع الخرافة التي تقول أن الأرض بنيت على قرن ثور وفيه يدل التهكم حيث يختم بقوله “ألا يا فنطسية” وفيه إشارة الى الألاعيب الفوضوية الفارغة والخرافة المستحيلة

كما ان لكل فعل باعث ولكل قول عوامل نفسية واجتماعية فربما كان وراء قول هذه الابيات قصة منسية حدثت في سنة قحط او عام جراد او في فترة وباء، فلهذه الابيات خلفية اجتماعية ونفسية بدليل سعة انتشارها والاضافة اليها فكلما روى المتتبع لهذه الابيات بيتا روى متتبع من منطقة اخرى ابياتا مماثلة .

وبذلك تكون أغلب الموروثات الشعبية انعكاس لحالة الحياة في المجتمع التي تنشأ فيه، وكالعادة دائما تركز على معاناة اليوم وادكار الأمس والأمل بالمستقبل وهكذا تنشأ الأمثال الشعبية والزوامل ، والشعر أحد هذه الموروثات الشعبية.

المصدر: كتاب “الثقافة الشعبية” للبردوني