آخر الأخبار

spot_img

حرب الحوثي على مزارعي الثوم: نموذج لعبث الميليشيا بالاقتصاد وأرزاق البسطاء

صنعاء – “صحيفة الثوري” :

سامي نعمان

في مشهد جديد من عبث جماعة الحوثي بالاقتصاد الوطني، شنت الجماعة حملة قمعية ضد مزارعي ومسوقي الثوم البلدي في مناطق سيطرتها، مستخدمة المدرعات والرصاص لفرض هيمنتها على هذا القطاع الزراعي، في خطوة تكشف مستوى استغلالها لمقدرات البلاد وأرزاق المواطنين.

خداع باسم دعم المنتج الوطني

لطالما تغنت ميليشيا الحوثي بدعم المنتج الوطني وتشجيع الزراعة، لكنها في الواقع استثمرت جهود المزارعين البسطاء لتحقيق مكاسب خاصة. بدأت الجماعة قبل عامين بمنع استيراد الثوم الخارجي من الأسواق العالمية أو حتى من مناطق الحكومة الشرعية، رغم أن الإنتاج المحلي لم يكن كافيًا لتغطية الطلب، ما أدى إلى ارتفاع أسعاره بشكل مهول، حيث وصل سعر الكيلو إلى 15-20 ريالًا سعوديًا في صنعاء، في حين كان يباع الثوم المستورد سابقًا بسعر لا يتجاوز 3-4 ريالات للكيلو.

هذا الارتفاع المغري شجع المزارعين على التوسع في زراعته بشكل غير مسبوق، بعدما ترك لهم الحوثي في البداية هامش ربح كبير، كطُعم لجرّهم نحو فخ الاحتكار والاستغلال.

منع الاستيراد… ثم إغراق السوق بالتهريب

في الوقت نفسه، أدى قرار منع الاستيراد إلى تكدس كميات كبيرة من الثوم في مناطق الحكومة الشرعية، ما تسبب في كساد السوق هناك، خاصة مع عدم قدرة التجار على تصريفه بسبب إغلاق الحوثيين لمناطقهم. نتيجة لذلك، بدأ التجار يقلصون الاستيراد، ما دفع بعض السماسرة التابعين للحوثي إلى تسهيل عمليات تهريبه من مناطق الشرعية إلى مناطق الميليشيا، مستغلين الفارق الكبير في الأسعار بين الجانبين، حيث كان سعر السلة في صنعاء يصل إلى 100 ريال سعودي مقابل 35 ريالًا في عدن.

ومع تدفق الثوم المهرب، أصبح متوفرًا في أسواق صنعاء بجانب الثوم البلدي الذي زاد إنتاجه، ما مهد لمرحلة جديدة من استغلال المزارعين الذين وجدوا أنفسهم فجأة في مواجهة احتكار حوثي جديد يفرض عليهم بيع محاصيلهم بأسعار زهيدة عبر شركات تجارية تديرها قيادات الميليشيا، في حين يستمر بيعه للمستهلكين بأسعار مرتفعة.

حملة قمعية ضد التجار والمسوقين

مع وفرة الإنتاج المحلي، انتقلت ميليشيا الحوثي إلى المرحلة التالية من خطتها، حيث شنت مؤخرًا حملة واسعة على تجار الثوم في صنعاء، متهمة إياهم ببيع الثوم الخارجي المهرب، رغم أن عمليات التهريب نفسها تتم بتواطؤ قيادات حوثية نافذة.

وأفادت مصادر محلية بأن الحملة تضمنت عمليات اعتقال لعشرات التجار، وفرض إتاوات ضخمة على من تبقى منهم، ضمن سياسة الحوثي لاحتكار السوق والاستحواذ على أرباحه. ونشرت وسائل إعلام محلية مقاطع فيديو تُظهر اعتداءات مسلحة على محلات بيع الثوم في صنعاء، وسط إطلاق نار من قبل عناصر الميليشيا لإرهاب التجار وإجبارهم على دفع الأموال.

الاقتصاد تحت رحمة الميليشيا

لا تقتصر سياسة الحوثي على قطاع الثوم، بل تشمل مختلف المنتجات الزراعية، من العنب والرمان إلى التفاح والزبيب. ففي العام الماضي، أوقفت الجماعة شحنات التفاح المبردة لأشهر في جمارك صنعاء، ما أدى إلى تكبد التجار خسائر فادحة، كما منعت استيراد الزبيب والبرتقال لفرض سيطرتها على سوق المنتجات المحلية عبر وسطاء تابعين لها.

بهذا النهج، تؤكد ميليشيا الحوثي مجددًا أنها لا تهتم بالمزارع أو بالاقتصاد الوطني، بل تسعى فقط لتعظيم مكاسبها المالية بأي وسيلة، حتى لو كان ذلك على حساب أرزاق المواطنين ومعيشتهم.

الشرعية خارج المعادلة الاقتصادية

في المقابل، لم تتمكن الحكومة الشرعية من وضع خطط واضحة لمواجهة هذا العبث الحوثي، أو حتى لضبط تسويق المنتجات الزراعية بين مناطقها. فبينما تعاني السوق المحلية من كساد بعض المنتجات مثل البصل والسمك، ترتفع أسعارها نتيجة التهريب والاحتكار، ما يعكس حالة من الفوضى الاقتصادية التي تستفيد منها ميليشيا الحوثي، بينما يتحمل المواطن البسيط وحده تبعاتها.

في المحصلة، أصبح الحوثي هو التاجر والمزارع والمحتكر في آن واحد، بينما لا يجد اليمنيون إلا الغلاء والتجويع والاستغلال، في حرب اقتصادية توازي في خطورتها حربه العسكرية على البلاد.