(صحيفة الثوري ) – كتابات :
سام أبوأصبع
الكتابة عن مقبل ليست مجرد استعادة لاسم عابر في المشهد السياسي اليمني، إنها محاولة للإمساك بطيف رجل صار مع الزمن جزءًا من ذاكرة الثورة، من تفاصيل الأرض التي دافع عنها، من الصبر الذي تحمله بثبات حتى صار أيقونة الصمود. الحديث عنه، هو حديث في الأمل والكفاح والنزاهة والشجاعة، حديث عن رجل تشبّع بروح المناضلين الأوائل، وعاش حياته كمبدأ يمشي على قدمين، كصخرة في وجه الريح، وكظلّ شجرة تمتد جذورها في تربة الوطن، بينما أوراقها تتساقط دون أن تفقد شموخها.
مقبل لم يكن سياسيًا بقدر ما كان فكرة، فكرة ترفض الخضوع، وتواجه الهزيمة بابتسامة ساخرة. من الستينيات حيث بداياته في حركة القوميين العرب، إلى سنوات التحرير والاستقلال، إلى صراعات ما بعد الثورة، إلى الوحدة، إلى الحرب، إلى المنافي، ثم العودة، ظلّ هو ذاته، لم ينكسر، لم يهادن، لم يُبع، ولم يشترِ أحدًا. حمل الحزب الاشتراكي على كتفيه في زمن الارتداد والتصفية، زمن السقوط في مستنقعات السلطة والفساد، وكان أقرب إلى ناسكٍ، لا تفتنه الإغراءات، ولا تخدعه التسويات التي تأتي على حساب البلد.
في الأيام الصعبة،حرب صيف١٩٩٤م حين كان النظام يجهّز المقاصل للحزب، وحين صار الموت عنوانًا يوميًا، بقي في الداخل، لم يهرب كما فعل كثيرون. كان يمكنه أن يترك السفينة، أن يبحث عن ملجأ في العواصم البعيدة، لكنه ظلّ هناك، وسط العاصفة، في عين النار، يقود الحزب من تحت أنقاض الحرب والتصفيات، يرسم له طريق العودة من بين الدخان والركام. من يجرؤ على ذلك؟ من يملك تلك الشجاعة؟ كان وحده الرجل المناسب في اللحظة التي ظنّ فيها الجميع أن الاشتراكي لن تقوم له قائمة. لكنه قاوم، أعاد ترتيب الصفوف، لم يساوم، لم يطلب العفو، ولم يُبرر وجوده لأحد.
مقبل لم يكن مجرد أمين عام لحزب، كان ذاكرة وطن، رجلًا انحاز للفلاحين ضد الإقطاع، وللشعب ضد القمع، وللثورة ضد الرجعية، وللوحدة ضد الاحتلال. وحين أتت العاصفة، لم يختبئ، لم يبع، لم يغير جلده، ظلّ هو ذاته، رجلًا نظيف اليد، شريف القلب، صادق الموقف، حتى رحل في 01/03/2019 م ، تاركًا خلفه إرثًا من النزاهة والشجاعة لا يستطيع أحد أن يلوثه.
ولا يمكن لختم الكلام عن مقبل سوى المرور بذلك البيت من الشعر الشعبي في وصف الرجل:
“سلام مني للرجال المُقْنِفة
ذي ما يوطّيها سوى رب العبادْ
الحزب علمنا أصول المعرفة
والصبر علمنا علي صالح عُباد”.