آخر الأخبار

spot_img

مخلفات الحرب: ندوب في جسد المجتمع

“صحيفة الثوري” – كتابات:

أنس عبدالجبار سيف

في هذا الوطن، الحرب لم تكن مجرد حدثٍ عابر، بل أصبحت ضيفاً ثقيلاً سكن بيوتنا، وأعاد تشكيل تفاصيل حياتنا اليومية.

لم تترك زاوية إلا ومرّت بها، ولا قلباً إلا وغرست فيه ألمها.

لكنها لم تتوقف عند حدود الدمار المادي، بل امتدت لتفتك بالنسيج الاجتماعي، تاركةً وراءها مجتمعاً مُثخناً بالجراح.

 

المجتمع الذي كنا نعرفه تغير.

كان الجار يطمئن على جاره، واليوم صار يخشى أن يصبح عدواً له.

كان الأبناء يحلمون بالمستقبل، واليوم يحلمون فقط بالبقاء على قيد الحياة.

القيم التي كانت تربطنا وتمنحنا القوة أُنهكت تحت وطأة الانقسامات والصراعات.

نحن الآن مجتمعٌ مثقل بالشكوك، تُثقلنا قصص الفقد، ونعيش في دوامةٍ من الكراهية التي نمت كعشبٍ سامّ في أرضنا.

 

الفقر: الوجه الآخر للحرب

الفقر اليوم ليس مجرد حالة اقتصادية، بل هو حربٌ يومية يعيشها الآلاف من الناس.

العائلات تفقد كرامتها في طوابير البحث عن المساعدات.

الأطفال يتسربون من المدارس لأن التعليم أصبح رفاهية لا يقدر عليها كثيرون.

الحروب لم تترك لنا اقتصاداً نعيش به، بل حولتنا إلى مجتمع يعتمد على ما يتبقى من مساعداتٍ لا تكفي حتى لسد الرمق.

 

الأجيال القادمة تدفع الثمن

الأطفال الذين ولدوا في زمن الحرب لم يعرفوا يوم معنى الأمان.

ينشؤون في ظل الخوف، يرون آباءهم منهكين، وأمهاتهم يحملن أحمالاً تفوق قدرتهن.

أي مستقبل يمكن أن ينتظر جيلاً نشأ في ظل هذه الظروف؟

وكيف سنستعيد ثقتنا بأن الحياة يمكن أن تكون أفضل مما نعيشه اليوم؟

 

لكن الأمل لا يموت

على الرغم من كل هذا السواد، هناك شعلة لا تزال مشتعلة في قلوبنا.

شعلة تذكرنا بأننا شعبٌ قاوم عبر التاريخ، وأننا قادرون على النهوض من بين الركام إذا ما اخترنا طريق التغيير.

التغيير لا يبدأ من السياسيين أو القوى الكبرى، بل يبدأ منا نحن.

يبدأ من قراراتنا اليومية، من قدرتنا على أن نتوقف عن نشر الكراهية، وأن نعود لنرى بعضنا البعض كأخوة، لا كأعداء.

علينا أن نعلم أن الحرب ليست قدراً محتوماً.

هي صنيعة أيدينا، ويمكننا أن ننهيها إذا ما أردنا.

علينا أن نبدأ بترميم العلاقات بيننا، أن نعيد للإنسان قيمته.

فلنعلم أطفالنا أن القوة ليست في البندقية، بل في الكلمة الطيبة.

لنزرع فيهم الإيمان بأن الوطن يستحق أن نحلم من أجله، لا أن نحترق لأجله.

المسؤولية تبدأ من كل فرد

إذا أردنا أن نتجاوز هذا الظلام، فعلينا أن نكون صادقين مع أنفسنا.

أن نعترف بأخطائنا، ونتعلم منها.

أن نبدأ ببناء جسور جديدة بين القلوب، ونُخرج من داخلنا تلك الشحنة من الغضب والحقد التي غرستها الحرب.

نحن شعبٌ قادر على الصمود، لكننا بحاجة إلى أن نتحرر من سجن الحرب الذي صنعناه بأنفسنا.

الوطن ليس جدراناً نعيش داخلها، بل هو القلوب التي تنبض بالحب والكرامة.

فلنُعد للوطن روحه التي سرقتها الحرب، ولنبدأ بأنفسنا.

لنتذكر دائماً: ما دمرته الحرب، يمكننا أن نبنيه بالسلام والإرادة.

وما مزقته الكراهية، يمكن أن تعيده المحبة.

نحن أبناء هذا الوطن، ومصيرنا بأيدينا.