“صحيفة الثوري” – كتابات:
عبدالعزيز الماطري
كُتبَ عن الشهيد الرمز جارالله عمر الكثير، تحدثت تلك الكتابات على كثرتها عن جوانب عدة لشخصية ومناقب وفكر الشهيد ومدى تأثير شخصيته على امتداد جغرافيا اليمن الكبير وتعديها الى خارج الجغرافيا وربطه لعلاقات واسعة مع مفكرين وساسة داخل الوطن وخارجه، تناولت هذه الكتابات وأبرزت ملامح وصفات وقدرات الرمز المتفرد باذخ الأبعاد ومدى دينامية الرجل وتجدده فكراً وطريقة وأسلوب، لم يتخل أو يتقوقع أبدا، لكن دائماً ما يعيد قراءة التجربة ببعدها الشخصي والعام ويجيد ببصيرة نافذة قراءة المشهد العام ويلتقط سريعا عوامل مؤثرة مستشرفا قبل غيره من الساسة، فلقد تظافرت متشابكة مناقب وسجايا مشكلة سبيكة قل نظيرها في عالم الفكر والسياسة، القائد الجماهيري والعسكري الفذ والخبير الأمني والمثقف العضوي والسياسي الذي ما انفكّ بادهاش الخصم قبل الصديق بمواقفه الكاسرة والمخالفة للمعتاد، مواقف ألبت عليه خصومات داخل أطاره الحزبي وخارجه، لكنها لم تفت من عضده، بل دأب إلى بذل الجهد الخارق لإقناع الآخر بمدى صوابية طرحه، الديمقراطية ووجوب تبنيها تلكم الفكرة الغريبة عن مشهد اعتاد اللون الواحد والصوت الذي لا يعلوه صوت لغيره مطلقاً، فكرة باقتدار عجيب لسياسي مختلف استطاع بحنكة فريدة أن يثبتها كشرط ورديف للوحدة التي غدرت من شريك جبل على الغدر والمكيدة .
كان الشهيد وفياً لأفكاره ولم يتنكب عنها أو يدر ظهره لها، فخضع عن طيب خاطر للتصويت الديمقراطي في دورة اللجنة المركزية وقرارها بمقاطعة الانتخابات التشريعية مع علمه بمدى فداحة أن تترك المشهد خاليا لسلطة تتغيا التفرد والاستحواذ بكل شيء.
فكرة اللقاء المشترك وهندسة الجمع بين ألد الخصوم أيدلوجيا وبعد حرب دامية وتواصلها باشكال أخرى، كانت الفكرة أشبه بجنون، ذلك الجنون استحال إلى واقع على الأرض بمجلس تنسيقي جامع لطيف المعارضة وتلاه اللقاء المشترك، وصف الفكرة رفعت السعيد بمصر بالذهاب إلى جحر الأفاعي، إذا لم يكن بدا غير الدخول إلى جحر الأفاعي فقد فعلها جارالله وصنع المستحيل وتعملقت الفكرة وصاحبها وظل رفعت السعيد وأقرانه مجرد ظاهرة صوتية بائسة نخبوية.
دفع جارالله عمر حياته ثمناً للفكرة/ الخيار. نظر الحاكم له بأنه مهدِّد وجودي لبقاءه وتوريثه فقرر الخلاص منه بتدبير مؤامرة خبيثة فقتله، كلٌ قتل الآخر بطريقته، وشتان بين قتلة وقتلة.
جارالله أعجز الساسة بعده، لن يحسنوا صنع وتمثل طريقته، فإذا امتلكوا الحنكة والدهاء ستغيب عنهم روح الإنسان الحقيقي وتغادرهم مع الغرق في دوامة الممارسة.
ظل جارالله وفياً لرفاقه ولعلاقته الإنسانية حتى لحظة استشهاده الفاجعة لنا والمتوقعة له بأنه سيموت واقفاً فأعطاه القدر ما أراد.
سأختم بسرد واقعة عشتها مع الشهيد وأنا طفل علقت بوجداني وتكررت مع جارالله القادم لمنزلنا مساءً حاملاً صورة بها مستلزمات مدرسية من دفاتر وأقلام وخلافه لي ولأختي وابنة خالي، ثلاثتنا لم ينسنا جارالله في دورة انشغاله بقيادة العمل المسلح ظللنا في عقل جارالله وبلا شك لم نكن وحدنا من حرص الشهيد لزيارتهم وحثهم، بجسد نحيل وملبس بسيط وشعر غير مرتب وحذاء مغبر وروح مرحة كان زائرنا الخالد خالد.
حقا سيُعجز جارالله عمر كل ساسة الدنيا لانه كان إنسان استثناء!