صحيفة الثوري – في الذاكرة:
سام ابوأصبع
الكتابة عن مناضل بحجم الفقيد المناضل محمد سعيد الجماعي يوقعنا في إشكالية التقصير في عدم سبر أبعاد هذه الشخصية الإستثنائية الدائمة الحضور في الأوقات الصعبة، وفي لحظات انهيار المجتمع.
من يعرف سيرة الفقيد يكتشف عمق وطنيته واتساع أفقه وصبره على المكابده، ومن عرفه عن قرب عرف فيه رجلاً صلباً ومناضلاً جسوراً لم يحنى له ظهر، ولم تمد له يداً، ولم يصفق لمستبدٍ أي كان، وكان انحيازه دائم الوضوح مع الغلابا والكادحين لهم عاش وفي سبيل وطن يتسع لهم ولأحلامهم، وهذا الإنحياز هو ما جعل منه مناضلاً في سبيل تغيير ذلك الواقع وبناء واقع جديد خالٍ من الإستغلال.
ان الاخلاق والمواصفات التي تميز بها الفقيد،ليست محظ صدفة،بل هي نتيجة تربية أسرية وحزبية تؤمن تمام بالعدل والمساواة.ونتيجة تكوين نظري وسياسي متوازن ورزين،في اطار ثقافة المقاومة للسائد وبناء علاقات اجتماعية بديلة، وبرحيله خسر الوطن والحزب ركيزة أساسية وعلم من اعلام المقاومة والنضال.
فالفقيد دائم المبادرة وخوض غمار المواجهات إلى جانب عموم الكادحين وكان دائما في قلبها سلماً أو حرباً، من حروب المناطق الوسطى مناضلاً صلباً لا تلين له قناة، وصولاً إلى محطة الوحدة وخوضه غمار السياسة، والتحاقه بثورة فبراير الشبابية وإيمانه بسلميتها، وما أن تم الانقلاب عليها وعلى مخرجاتها بالسلاح من قبل الإماميين الجدد حتى كان الفقيد رحمه الله أول المبادرين إلى حمل السلاح في مقدمة الصفوف هو ورفاقه وابنائه وجاب مناطق مريس وما جاورها من المناطق الوسطى داعياً ومحرضاً الشباب على حمل السلاح والوقوف في وجه الردة الإمامية الماضوية.
هذا الانتقال الواعي من مرحلة الكفاح المسلح في ثمانينات القرن المنصرم إلى العمل السياسي في أوساط الجماهير بعد تحقيق الوحدة وحضوره الإجتماعي الفاعل في حل مشاكل الناس والانحياز للبسطاء منهم؛ كان أكبر سند وداعم لهم بعد الإنقلاب على مشروع الوحدة واستهداف الحزب الاشتراكي اليمني حيث وجد فيه رفاقه وأبناء منطقته ملجاءً لهم وملاذاً من تغول نظام حرب ٩٤م .
وما ان جاءت الألفية الجديدة وتباشير الثورة الشبابية الشعبية (ثورة فبراير)حتى كان من أوائل المنخرطين والمحرضين للناس على الانضمام لها.
قبل أن يتم الانقلاب عليها ليعود مرة أخرى متسلحاً بإيمانه العميق بعدالة قضيته إلى حمل السلاح وقيادة المقاومة الشعبية في مريس ضد مليشيا الحوثي وكان لهذا العمل تأثير كبير على منع سقوط تلك المناطق في أيدي مليشيا الحوثي وشكل الدرع الواقي للمناطق المحررة. بل وكان له الدور الحاسم في إفشال الهجوم الكبير الذي شنته مليشيا الحوثي على الضالع في العام ٢٠١٩م وكانت قد اقتربت كثيرا من مركز المحافظة، وأتذكر حينها عندما زرنا الضالع بعد تلك المعركة وكان اسم مريس ومقاومتها على لسان كل مقاتل في جبهات الضالع.
ربما لا تتسع مقالة لكتابة مآثر فقيد الحزب وفقيد الحركة الوطنية، المناضل/ محمد سعيد الجماعي لكنك وفي كتابات وتعليقات رفاقه ومحبيه وأبناء منطقته تقرا الكثير الكثير من المناقب والمآثر المؤزرة والاستثنائية للرجل، رجل المبادئ ونزاهة الضمير ونظافة اليد، تقرأ في تلك السير والشهادات والتعليقات مناضلاً سياسياً محنكاً، وزعيماً اجتماعياً، وقائداً عسكرياً إذا ما احتاجته الظروف وناداه واجبه الوطني.
نحن حقيقة أمام شخص صقلته التجارب، يمتلك نظرة ثاقبة وتفكيراً عميقاً، وحساً سليماً، وتحليلاً متزناً ورأياً لم تغب عنه الحصافة في أي محطة من محطات نضاله الطويل.
تشبث الفقيد رحمه الله بالمبادئ التي آمن بها ولم يحد عنها يوماً، ولو على حساب مصالحه الشخصية حيث كان بمقدور الفقيد -لوضعه الإجتماعي- أن يتقرب من أي نظام أو سلطة سعياً للإثراء أو التكسب الشخصي والحصول على المزيد من النفوذ والسلطة لكنه لم يساوم ولم يهادن يوماً على حساب مبادئه وانحيازه للحرية وللعدالة وانتصاره للمظلوم ولو على حساب مصلحته الشخصية المباشرة.
رحم الله فقيد الحزب الاشتراكي اليمني وفقيد الحركة الوطنية وعزائنا فيه وكما قلنا سابقاً أنه لم يلن ولم يحنِ الظهر ولم يمد يداً ولم يصفق لمستبد، عاش مع الناس وانحاز لقضاياهم العادلة ولم يتربح أو يغتنِ من معاناتهم وجراحاتهم.
اختار الطريق الصعب واخلص لمبادئه.
عاش للناس وللحزب وللوطن ومات على نهجه لم يحد.